حين تلوذ المرأة بالشعر

حين تلوذ المرأة بالشعر
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- القوافي الشعرية بمثابة المرآيا التي تعكس بجلاء،ما يجيش في النفس من مشاعر وخواطر وهواجس.. وكأنها ريشةُ الرسّام الماهر في التصوير..وهي من أروع وسائل التعبير، متى ما جاءت مكتنزة بالبلاغة والرقة والعذوبة.
-2-
وقد قرأتُ في كتاب (بلاغات النساء) لابن طيفور، مقطوعة شعرية لامرأة عانت من زوجها ألوانا من المرارة، ولجأت إلى الشعر، تبثّه شكاواها وتُودعه أشجانها، وظلم الرجال لزوجاتهم– شائع ذائع، له دويّ معلوم في كل عصر ومصر، وجاءت المقطوعة لتكون ترتيلةَ الأحزان، الكاشفة عن عمق ظلم الإنسان للإنسان.
-3-
وقد أغفل (ابن طيفور) ذكر اسم الشاعرة، المبتلاة بزوجها القاسي القلب، واكتفى بأنْ قال ( لبعض المحدثات تذمُ زوجها). راجع بلاغات النساء / 146-147
-4-
قالت الشاعرة المجهولة:
يا مَنّ يُلذّذ نَفسَهُ بعذابي
 وَيَرى مقارنتي أشدَّ عذابِ
حين يلتذ الإنسان بعذاب غيره، يكون قد وصل إلى أسفل السفوح نذالة وجهالة، وزوجها الذي تشكوه، قد اتسم بهذه السمة، وزاد على ذلك بأنْ عد مقارنتَها له، وحياتها معه، عذاباً.! وواضح من هنا: 
ان الزوجين غمرتهما أمواج من الاحتقان والتشنج جعلتهما يتنافران، ولكنّ الزوجة الشاعرة تُلقي اللوم على زوجها وحده، وقالت:مهما يُلاقي الصابرون فإنّهم يُؤتَوْن أجرَهُمُ بغير حسابِ لقد سارعت الشاعرة الى إخبارنا بأنها ادّرعت الصبر، وتجنبت ما لا يُحمد من الطرائق والوسائل في غمرة الصراع، مشيرة لما للصابرين من أجر، مصداقا لقوله تعالى:
{ انما يوّفى الصابرون أجرهم بغير حساب} الزمر/ 10
ومضت تخاطب زوجها قائلة:
لو كنتَ من أهل الوفاء وفيتَ لي 
 إنّ الوفا حَلّى أولي الألباب 
إنّه تقريع فظيع، فالوفاء من أهم الخصال الإنسانية والأخلاقية، وهو على حّد تعبيرها – حِلية أولي الألباب، وغيابه عنها يعني المواجع المرّة، واليبس الجفاف في حياتهما المشتركة، ثم تتنقل الى جانب آخر من المعاناة، جانب الجهد المبذول من قبلها لتذليل الصعاب القائمة بينهما، وترقيق قلب زوجها القاسي، ليكون الرؤوف العطوف، وتبوء المحاولات بالفشل لأنه سحاب محتجب فكيف ينزل المطر؟لقد غاب عنها السحاب الماطر، فطفقت تندب حظها العاثر.! واستمرت في وصفها لزوجها القاسي فقالت:
يا رحمتي لي من يديكَ ورحمتي
 لي منكَ يا شَيْناً من الأصحابِ
وهنا لم تتمالك نفسها، وخانتها رباطة الجأش، فعمدت إلى ذُمِّ زوجها وَوَصْفِه بأنه (شيْنُ)… نعم إنّه (شيْن) لا (زيْن)… وشتان ما بين الوصفيْن، ثم قفزتْ إلى عالم التمنيات فقالت:
ياليتَني مِنْ قبل مُلكك عِصْمَتي
 أمسيتُ ملكاً في يدِ الأعرابِ 
وتوّد يائسة لو أنّ زوجها القاسي لم يكن يملك عِصْمَتها، متمنِيةً أن تكون عصمتُها بيد غيره من الأعراب..! ولكن هيهات وأخيراً تقول وهي تغص بالحسرة:
هل لي إليكَ إساءةٌ جازَيتها 
 إلاّ لباسي حُلّةَ الآدابِ
إساءتها الوحيدة، لو كانت لها إساءة، هي أنها تزدان بِحِلْيَةِ الآداب،فهل الآداب من المناقب أم من المثالب؟. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *