«خان الشابندر».. نساء على الهواء الطلق

«خان الشابندر».. نساء على الهواء الطلق
آخر تحديث:

وارد بدر السالم
الرواية العراقية تحقق حضوراً ميدانياً لافتاً للانتباه خلال السنوات الأخيرة، وهو حضور له ما يبرره على مستوى التحرر الذاتي والعام بغض النظر عما يمكن أن يثيره هذا الحضور من أسئلة فنية كثيرة بالبنى السردية وإشكالياتها، وهو أمر نقدي خالص يتولاه ذوو الشأن من نقاد وأكاديميين.
آخر الروايات التي حظيت بقراءات جيدة حتى الآن هي رواية (خان الشابندر) الصادرة عن دار الآداب البيروتية، وستكون هذه الرواية إطلالة أخرى من إطلالات الرواية العراقية الجديدة على واقع ما بعد 2003 لكن من حيث تشابه زاوية النظر إلى الواقع الجديد الذي كشف عن عيوب كثيرة مثلما عرجت على ذلك روايات الكم التي تخطّت الـ 500 رواية وهي تنهل من سرديات العراق المتحول سياسيا واجتماعيا بطريقة تكاد تتشابه الى حد بعيد، وهذا يحتاج الى قراءات أخرى تجمع هذا الطيف الروائي المتسارع وتخضعه للفحص السريري
 المطلوب.
و»خان الشابندر» تقع في هذا النسق السردي المتشابه بشكله العام، لكنها تختار زاوية رصد من هامشية المجتمع وأكثرها عتمة وظلاماً بل وأكثرها احتداماً مع الواقع وتمرداً عليه، في الخان الذي يوصف بأنه مكان سري للدعارة تتناوب فيه شخصيات نسائية قلقة، مثلما تتناوب فيه شخصيات رجالية بعضها شبحي وبعضها كرّسه المؤلف ليكون ظهيراً للحالة المناقضة التي فيها الخان.
تنبني «خان الشابندر» على سيرة واقعية من خلال موشور اجتماعي يحلل الواقع ليتوقف عند غرف نوم في منزل عاهرات وسط بغداد ولا يغادرها إلا قليلا في مساحة أخرى من العاصمة، وهي سيرة جمعية لنساء احترفن البغاء بناءً على ظروف يمكن تخمينها في العادة، مع وجود شخصيات هامشية تؤدي أدوارا صغيرة موَظّفة سردياً لملء فراغات معينة بطريقة المونتاج ومن ثم ربط أوصال الرواية بحبكة مركزية.
السيرة الواقعية لبائعات الهوى- وهنّ على الهواء الطلق في فضاء الرواية – وما يحيط بهنّ من فزع تتسبب به ميليشيات طارئة على المجتمع هو بالنتيجة أحد أسباب هذه الفوضى الاجتماعية والسياسية التي صادرت دور السلطة وأوجدت فجوة مضادة للتمرد بشقه الاجتماعي ومن ثم الفكري من دون أن تدرس إمكانية
إصلاح المجتمع بطريقة متحضرة ومشروعة.
لهذا تجد أن نساء الخان هن أكثر حكمة وذكاءً وتفتحاً من هؤلاء الذين خرجوا من قاع المجتمع بعدما تهيأت لهم الظروف المناسبة ليكونوا وعاءً تصب فيه أحداث البلاد والعباد، وبالتالي أراد حياوي أن يعطي صبغة مثالية أو شبيهة بهذا حينما جعل من شخصياته النسوية المستلبة يعرفن ولو الإطار العام من الثقافة والقراءة الأدبية بشقها الرومانسي التاريخي وهو يقرأ الواقع المتغير بطريقة فيها حكمة أو نقد ذاتي وما الى ذلك.
غير ان هذا نسج صعب الى حد كبير حينما تكون الحاضنة الثقافية – حتى بشكلها الإطاري- حاضنة موازية لبيوت دعارة وتتفاعل معها تمرداً أو انتقاماً أو حاجةً أو يأساً تسببت به انفلاتات سياسة ما بعد 2003 بشكلها المعروف.
وهو ما يمنع السرد أن يتطور الى مناقشة قضية أعمق من هذه الالتقاطات في ضوء معطيات الاحتلال وتحويل المجتمع الى كابوس ميليشاوي يقضي على كل بارقة أمل في أن تمضي الحياة بشكلها الطبيعي.
وحاول الروائي أن يبقى في هذا الهامش الاجتماعي طويلاً لتأجيج الصراع النفسي والأخلاقي من هذه البؤرة
الشاذة بشخصياتها النسائية المستلبة.
غير أن هذا البقاء كان محكوما بشخصيات قليلة استنفدت طاقاتها مقدماً وظل المكان مسرحياً محاصراً بجدران الخان، وهو ما جعله يدور في الحلقة ذاتها من دون أن يطور نفسه سرديــــاً وربما انتبه حياوي الى هذه المفارقة نسبياً فعمل على استرجاعات معينة لبعض شخصياته النسائية، لكنها كانت استرجاعات متوقعة في تسبيب الحالة التي قضت على براءات بعض النسوة من بائعات الهوى.
«خان الشابندر» رواية تشبه وصلة فيلمية خرجت من القاع الأسود وأوصلها حياوي الى السطح لنراها جميعاً بقصدية رؤية المستوى المخفي من مستويات الأنساق الاجتماعية الجديدة التي تطاردها جماعات خارجة عن القانون بطريقة فيها من التعسف ما يجعل الواقع موازياً للخيال الذي ابتعد عنه المؤلف بقصدية، متأثراً بالواقع وإفرازاته الكثيرة التي تسببت بها حروب وغزوات محلية طائشة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *