متى ينطق النقد ومتى يصمت؟

متى ينطق النقد ومتى يصمت؟
آخر تحديث:

 صادق ناصر الصكر
أرى أن السؤال المتعلق بالكسل النقدي في معاينة « الأشياء» العادية التي يعدها أصحابها نصوصاً إبداعية، يتطلب بعض التعديل في صياغته الأساسية، لأنه ليس من المطلوب أن نكتب نقداً حول كل مايتسلل، بطريقته هو، إلى المشهد الأدبي…هناك مالا يستحق أن يكون موضوعاً لأي حوار عابر، فضلاً عن النقد، وأنا لا اعد صمت النقد،في هذه الحالة، كسلاً .
ثمة «نصوص»، في الشعر والقصة والرواية، لاتصلح– لفرط سطحيتها– إلا لشيء واحد: زيادة عدد النكات الموسمية للثقافة، ونحن نعرف من سيكتب عنها، انه الثرثار أو الكسول!.
أما بالنسبة للأذكياء من النقاد فإنهم يميلون إلى»القنص» وحين يهاجمون عملاً أدبياً فإنهم يهاجمون من لايعرف الثرثار والكسول ،ان الثقافة في فترات مرضها ستأخذ ذلك العمل على محمل الجد مع أنه لايستحق ذلك…أما إذا كان أولئك الأذكياء يعلمون، مسبقاً، انه حتى الثقافة في أسوأ حالاتها لن تصغي لهذا النص أو ذاك، فإنهم سيهملونه ويتجاهلونه.
هذا لايعني إن النقدية العراقية بخير، لا أقصد ذلك، إلا أن الرغبة في الكتابة عن»كل شيء»هي مهنة الأدعياء، والأمثلة على ذلك كثيرة، وعلى الناقد المحترف، الجاد والأصيل،أن لايتورط في تعرية وفضح كل ماهو غث لان ذلك سينعكس، سلباً،مع الزمن،على مزاجه النقدي وقد ينال من مهاراته في»القنص».
يمكن أن نتحدث، على سبيل المثال، عن رواية رديئة تظهر ثم تختفي وتتوارى دون أن يشعر بها أحد، في حين أننا قد نتكلم نقدياً عن رواية «رديئة «أخرى، فهل كان النقد كسولاً، في الحالة الأولى، وفاعلاً ومؤثراً ولاتفوته فائتة، في الحالة الثانية ؟…أمتلك تفسيراً: من حيث المبدأ، لايوجد سوى تصنيف واحد للرواية هو مايقسمها، بتعبير  هنري جيمس،  إلى « نوع تتوفر فيه الحياة وآخر يفتقر إلى ذلك»، إلا إننا، إضافة إلى « المبدأ «، ولنكن واقعيين، لدينا العديد من المشاكل الناجمة عن شتى الظروف المحيطة بالممارسة الأدبية،  ولذلك فإن الرواية الأولى كانت من الرداءة بحيث أنها كانت عاجزة حتى عن صناعة نوع من «سوء الفهم» وفتح حقل من الشائعات حولها، وبالتالي فإن نسيانها، إذا كان ثمة من تذكرها، هي مسألة وقت لا أكثر، أما الثانية، ولأسباب لايتسع المجال لذكرها، فإنها قد تثير التباسات مؤقتة تتطلب أن يتدخل النقد كي لاتكبر مساحة الأوهام في الثقافة… رداءة الثانية تبعث على « القلق»، نتيجة شيء ما، لايمكن أن يتوصل إليه الناقد الثرثار الذي يخفي كسلاً يبعث على
 النفور.
هل يعني، ماتقدم، إننا ندعو – بأسلوب ماكر– إلى تكريس انتقائية تميل إلى الاسترخاء أو الترف النقدي، أو أننا نكتب بهذه الطريقة لتبرئة النقد تحت أية ذريعة وإعفائه من مسؤولياته التي تحتم عليه،  على طول الخط ,أن يكون جهداً بحثياً دؤوباً لايعرف الكلل بصرف النظر عن اكتظاظ الساحة الأدبية بالأكاذيب والأعمال
 الهابطة…
 بالطبع إننا لانقصد شيئاً من هذا القبيل، وتوجيه اللوم للنقد – في نظري- سيكون ضرورياً وأكثر أهمية لمستقبل الثقافة من توجيهه لأي حقل إبداعي آخر، إلا إنني – في مثال إجرائي آخر – أود أن أشير إلى التالي: إذا كان الأمر يتعلق بالكتب النقدية الرصينة، فإن أكثر النقاد حماسةً وألمعية قد لايتمكن من إصدار كتاب نقدي، أو اثنين، كل سنة في أحسن الأحوال ( إذا لم تتدخل المنغصات العراقية لتمديد الفترة) حين نقصد، بهذا، الأعمال النقدية الحقيقية لامجموعة الأعمدة الصحفية التي يجري تجميعها للكتابة عن الأزمات، وهو ما لا يفي بالغرض لتسليط الضوء على كل الإصدارات الأدبية، المميزة منها أو الطارئة والغفلية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا كان موضوعنا هو كسل النقد قبالة صعود الأدب في نسخته الرديئة والتالفة، فإن الصحافة الثقافية، وهي موقع فاعل في المتابعة النقدية المتواصلة، فيها من المحددات، في المساحة وسياسة النشر، ما يشكل عائقاً أمام تلك
 المتابعة. إن قوة النقد الذكي تكمن، بالدرجة الأساس، في كونه يمتلك كل مايحفز الثقافة على استعادة ثقتها بنفسها حتى لوكانت مغمورةً، من وقت إلى آخر، بسيل من الاحتيالات الشعرية والسردية وغيرها، وستتعب هذه الاحتيالات نفسها إذا ما أرادت أن تعرف متى يتكلم الأذكياء ومتى يصمتون.
قد يقال أن نظرةً كهذه تمثل امتداحاً للنقد،دون مسوغات فنية وثقافية مقنعة، إلا أن ذلك لايمثل سوى نصف الحقيقة، أما نصفها الآخر فانه يعود إلى فضاء معتم تحاصره النصوص العاطلة من كل الجهات، ولايخرج فيه النقد من امتحان إلا ليدخل في  غيره.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *