من وراء غياب التخطيط الثقافي في البلاد ؟!

من وراء غياب التخطيط الثقافي في البلاد ؟!
آخر تحديث:

صلاح حسن السيلاوي
التخطيط الثقافي الذي تعتمده المؤسسات الإبداعية في كل العالم سواء أكانت تابعة للحكومات أم مستقلة، أمر ضروري لا بدَّ من وجوده في سبيل تحديد الحاجة والكم والنوع المناسب من العمل الثقافي للمجتمع، فلا بدَّ من إحصائيات ثقافية لأعداد المؤلفين والفنانين في المدن تمكن المؤسسات من التعاطي معهم بما يتوافق وحاجتهم من الدعم، كما لا بدَّ من التخطيط سالف الذكر لإنشاء بنى تحتية من مسارح وقاعات عرض ودور سينما ومقار متعددة لمؤسسات إبداعية وغير ذلك.هل تعمل مؤسساتنا الثقافية الحكومية وغيرها على اعتماد خطط خمسية أو سنوية أو فصلية لتطوير واقعنا، أيمكن معرفة المنتج الإبداعي تفصيلياً ؟  لماذا تغيب عن عمل مؤسسات الدولة النسب المكتوبة من المنتج الإبداعي شعراً وسرداً وفنَّاً .

غياب التخطيط الحكومي

رئيس اتحاد ادباء البصرة الشاعر  كريم جخيور رأى أن الثقافة ليست بمنحى عمَّا يحدث في هذا البلد المأزوم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فإذا كان التخطيط الاقتصادي والصناعي والنفطي والعسكري والتربوي غائباً  فبالتأكيد ان التخطيط الثقافي سيكون غائباً في البرنامج الحكومي، على حد تعبيره، ولكنَّه استدرك مشيرا إلى أن كل ذلك لايعني عدم وجود خطط وبرامج ثقافية لدى اتحادات الادباء مؤكدا وجود حراك ثقافي عام بدليل الإصدارات العديدة من الكتب والصحف والدوريات التي تشير إلى أن المشهد الأدبي والثقافي بخير، بالإضافة إلى ماحققه الأدباء من فوز في المسابقات العالمية والعربية والمحلية، ذلك الفوز المتعدد الذي يدعم من يقول بأن العراقيين أهل فكر وثقافة وأدب، لافتا في الوقت ذاته إلى حاجة البلاد لدعم وتخطيط ثقافي حكومي, وأبدى جخيور استغرابه الشديد من غياب الهاجس الثقافي في البرنامج الحكومي الذي قدمه السيد رئيس الوزراء الى البرلمان الذي تم إقراره من دون ذكر للثقافة.
تأرجح ونكوص
 
الشاعر نصير الشيخ أشار إلى ضرورة الاعتماد على التخطيط الدقيق لمفاصل بناء الانسان، بهدف تأسيس بنىً مجتمعية قادرة على خلق اجيال ومناخات ثقافية تعنى بماهو مادي كالمراكز الثقافية لتأصيل كل ماهو معرفي وثقافي لممارسة دورها التنويري، كما تعنى بما هو معنوي كتعريف النشء الجديد والأجيال المتعاقبة على التاريخ الثقافي والمنجز الحضاري للبلاد، لغرس مفاهيم الفن والأدب وضرورة وجودهما كدعامة لبناء الانسان.
وانتقد الشيخ غياب ستراتيجية تخطيط موحدة لوزارة مهمَّة كالثقافة، التي تفتقر على حدِّ وصفه لخطة خمسية اوعشرية تؤسس لتصاعد ملموس للعمل الثقافي وانعكاساته المستقبلية على دور المبدع العراقي، وتأسيس سياقات تهتم بالمنتوج الثقافي العراقي المبهر في مجالاته المتعددة شعرا وسردا وفضاءات ثقافية أخرى متجددة.
وأكد في ما يخص رأيه بعمل وزارة الثقافة: بتنا لانلمس جديدا من وزارة تحولت الى مايشبه دائرة حكومية، وليست حاضنة ثقافية لها مهام كبيرة في علاقتها بالمبدع المنتج، بعد ان تأكد لنا غياب السعي الحثيث لرسم خارطة طريق للثقافة العراقية، بدءاً من الخطاب الوطني المشترك، وحتى متابعة النتاج والإصدار العراقي المبدع وضرورة إيصاله خارج الحدود.
ثم تساءل قائلا: كم بروتوكولا وقعت  الوزارة بمختلف وزارئها مع دول أخرى، كم اتفاقية عقدت لتطوير الجوانب الثقافية وماهي النتائج..؟؟ حقيقة نحن كمثقفين ومنتجين كل في حقله، لم نلمس شيئا واضحا وبهيجا من وزارة يتصدرها عنوان (الثقافة).
فساد ثقافي
 
الدكتورة سلامة الصالحي تحدثت عن عمَّا كانت تحلم به من تغيير ثقافي على يد الساسة الجدد مشيرة إلى أنها كانت تتوقع أن تكون الثقافة من أولوياتهم، وأن يتم التوجه إليها كآخر القلاع والجبهات التي يجب أﻻ تسقط، لأنَّ سقوطها، وبالذات الثقافة الوطنية، يعني سقوط آخر محاولة للمقاومة واثبات الوجود لمجتمع مدني يحرص على الحياة.
ثم اشارت الى ما رصد من أموال ضيعت بزوايا ومطبات الفساد الإداري التي تضرب اطنابها في بنى البلاد التحتية والفوقية، مؤكدة أن ما حصل من فساد مشروع (بغداد عاصمة الثقافة العربية) كان إساءة كبيرة لبغداد لا سيما ما أنتج من أفلام هزيلة، وهذا يدلُّ حسب الصالحي على غياب التخطيط لإدارة ملف الثقافة بالبلاد ليس بغياب المثقفين الحقيقيين فحسب، بل بغياب اليد اﻻمينة والحريصة على أن تأخذ هذا الدور المتمثل بعمل الثقافة ووظيفتها، وهنا تقصد الثقافات الرفيعة التي من المفروض أن تتولى وزارة الثقافة رعايتها وتنميتها وبث روحها في المجتمع.
الإدارة بالتفكير والحدث

الدكتور سليم جوهر قال: هناك نوعان من الإدارة هما (اﻹدارة بالتفكير) و (الإدارة بالحدث) والفرق بينهما كبير، فما تهتم به الإدارة بالتفكير هو التغيير والتطوير والنقد المستمر ودائما في تفكيرها سؤال، وهو كيف يمكن لها أي اﻹدارة بالتفكير أن تحقق أولوياتها ضمن خطة متكاملة ومعدة سابقا ضمن رؤية ستراتيجية وهي تهتم بنقد ذاتها وتعتمد استبيانات متعددة في استشراف رؤية الآخرين بشأن أدائها، اما الإدارة بالحدث فهي إدارة موقعية وشخصية من أهم سماتها تمشية اﻻمور العمل برد الفعل، بقاء الوضع كماهو عليه، وهي إدارة تعتمد أسلوب التضخيم وفلسفته.. وصوتها عالٍ ومدوٍّ، وﻻتهتم بالمنجز الثقافي المبدع، بل همها الدعاية لما يحصل في فضاء اﻻدارة الثقافي لدينا، والإدارة بالحدث تهتم بالفعل الآن وهاهنا، من دون أن تضع في حسبانها المستقبل وأهداف تغيير أو تطوير لأنَّها تفتقر ﻹدارة بالتفكير، أما لأنَّها غير قادرة لعدم امتلاكها  هذه القدرة التفكيرية أو لعدم وجود اتجاه أي أنها تضع في حسابها أهدافا آنية مصلحية حزبية ضيقة أو نفعية طفيلية، واﻻدارة بالحدث تتسم لغتها بالمباشرة وفقدان الخيال المبدع، وتعيش في مقولة الآن وهاهنا، ان ما يحتاجه المشهد الثقافي في عراقنا الحبيب سياسة الإدارة بالتفكير، وهو قد يكون تفكيرا ستراتيجيا أو تفكيرا ناقدا أو كليهما، يخطط ويراجع و يعمل اﻻستبيانات المتعددة والمختلفة للوصول إلى فضاء ثقافي فاعل ومتفاعل، بحيث تستطيع المواهب والقدرات التنافسية ان تتنفس الحرية الفكرية و تكون مخرجاتها نتاجات مبدعة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *