من يرعى الثقافة والمثقفين؟

من يرعى الثقافة والمثقفين؟
آخر تحديث:

 بغداد/شبكة أخبار العراق- كثر حديثنا عن الثقافة والمثقفين، وكثرت التخرصات القائلة بأن الثقافة من الحقول اللامفكر بها في الدولة العراقية، ومن يتتبع مسار الثقافة ومؤسساتها والكيفية التي استقلت بها كحقل إنتاج المعرفة منذ اواسط القرن السابع عشر في أوروبا، يجد أن الصراع الذي خاضته الثقافة والمثقفين هو الصراع نفسه الذي خاضته الطبقات الاجتماعية، كلٌّ في مجاله كي يحقق له مساحة عمل في بنية ومؤسسات المجتمع. والحديث عن المثقف والثقافة في العراق لا يختلف من حيث المنهج والتصور عن الحديث عنهما في دول العالم، خاصة الدول الأوروبية التي مرت بحروب وانعطافات وصراعات داخلية وخارجية، جعلت من الثقافة والمثقفين في بعض حلقاتها واجهة لتوضيح مقاصدها وأهدافها. وها نحن حين نقرأ كتب الفلسفة والنقد والسياسة، نجد المثقفين والثقافة ميدانا خصبا للآراء والأفكار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل الفئات توظف الثقافة والمثقفين بالوجهة التي تجدها ممثلة لها ومعبرّة عن صوتها.في الحلقة السابقة المنشورة يوم 13-4 تحدثت عن المثقف الناقد، وهي الصفة التي أسست للثقافة دورا بين مؤسسات السلطة، والصفة التي استلهمت كل الأسماء والصفات التي قيلت أو شخصّت الثقافة والمثقف، وبدون المثقف الناقد لن يكون المثقف إلا مثقفا تقليديا يسعى وراء المناصب وتوزيع المغانم، وتبرير الأوضاع، والمدافع عن أسياده مهما كانت توجهاتهم الفكرية. كما يستثمر ثقافته باتجاه فردي، مغيبا وبقصد أي دور اجتماعي للثقافة والمثقف تتطلبه قضايا ومراحل المجتمع. مثل “هؤلاء المثقفون يقلقهم استقلال الحقل الثقافي لكونه مبدأ وجود السلطة الثقافية النقدية للمثقفين..” انظر المصدر: في سوسيولوجيا الثقافة”.ومنذ افلاطون كان مصدر المثقفين المعرفي هو الفكر السفسطائي، فالسفسطائيون الذين كما تقول الفلسفة هم وحدهم من وسع دائرة الحوار فتشعبوا بالتأويل والاجتهاد، ما جعل افلاطون يسمي المثقفين “بباعة حرفة الرأي”، لتصبح حرفة الرأي ميدانا اجتماعيا، لها مؤسساتها التي تجعل من المثقفين “لا يجرجرون حبلا ما إليه بعير” هذه الحرفة هي المهنة النقدية، كما يقول غرامشي، إضافة إلى مسميات وصفات أتينا عليها .النقطة التي أود الإشارة إليها، تخالف الآراء الرسمية المتداولة عند إداريي الثقافة والدولة، هي ان الدولة لا علاقة لها بتأسيس الثقافة ولا بالمثقفين، لأن الدولة متألفة من سلطات عديدة، ومن بينها السلطة الثقافية، وهذه السلطة تكون دائما ناقدة، لذلك تتجنب الدولة تأسيسها ورعايتها وتوسيع دائرة حضورها الفاعل في المجتمع، يضاف لهذا الغياب المتعمد؛ ان المثقف نفسه  يتخلى عن دوره النقدي، فيجعل من الدولة متغاضية عنه. هذه الحقيقة التي يرتضيها المثقف تغيب الثقافة والمثقفين عن عمد.إذا من يرعى الثقافة والمثقفين ويجعل منهم سلطة نقدية؟ هذا هو السؤال الغائب عن تصورنا، الحقيقة ان ما يجعل الثقافة والمثقف سلطة نقدية هما امران: الأول هو أن يعي المثقف نفسه بأنه سلطة ناقدة بامتياز. والثاني هو غياب المؤسسات « مالكة وسائل الانتاج} التي ترعى المشروعات الثقافية،وبغيابها يبقى المثقف: إما إدارياً تابعاً متجردا عن دوره النقدي، وإما مغيبا وهامشيا ينتظر مطر الدولة الصيفي، وهو ما نحن عليه اليوم. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *