ميديا ما بعد الحداثة

ميديا ما بعد الحداثة
آخر تحديث:

رزاق عداي
مسعى الخطاب في تيارات – ما بعد الحداثة – يهدف إلى طمس التراث التنويري القائم على أولوية العقل، ومن ثم تعطيل ما يسمى – بالمشروع الثقافي الأوروبي برمته، لينتهي إلى منطق أقل ما يقال عنه بأنه يزيح الإنسان – العقل – كي يتقهقر ليستقر على هامش النصوص، التي تصبح واقعاً، بل الواقع الوحيد خطابياً بحد ذاته، (أي لا يقابله واقع آخر) وهي أيضا حقيقة مفترضة في ذات الواقع لأننا نزعم عند لحظة مقابلتها أن ننخرط في مسارات ولولبيات وعبارات تخيم علينا وتسمى بمسميات شتى.
 فهي سحب معرفية أو خطابات تشتت وحدة العقل في تصوراته وبموجبها  يتشظى تأويلياً وتعددياً، وفيه تعرضت الفلسفة في بنائها التقليدي بموضوعاتها الأثيرة إلى انعطاف عظيم وفقدت مواقعها وهيبتها أمام هجمة المعرفيات (الابستمولوجيا)، ان للغير الحق في قول أي شيء، اذ لم يكتف كنشاط مستقل بذاته منقطع عن الآخرين في ابتكار أدواته ولغته الخاصة فحسب، انما له الحق في صناعة نثر فلسفي جديد على مثال ما فعل – ميشيل فوكو – على سبيل المثال.
ان المناخ المعرفي المتسامح راح ينتج أشكالا تفكيرية شتى أسهمت في شيوع سيل من الخطابات، فليس هناك اتفاق مفاهيمي يكمل التقليد الفكري الذي كان سائداً، فكل واحد له الحق في أن يقف على أرضيته الخاصة وان يحدد منظوره الخاص، وليس من الضروري ان هناك حلقة مسبقة له ،ان التراث في حد ذاته وفي دائرته يحمل ماضيه ومستقبله، ..لقد كانت هناك أرضية موغلة في القدم لهذه الانحناءات في مسار الفكر الأوروبي، وكان لها تأريخها الذي انبثقت منه الأجيال المتعاقبة، وكان للأخيرة من هذه الأجيال أن تتمرد على هذا التراث وتعقد العزم على قتله ومحق إنسانه، هذا في الوقت الذي ماتت فيه كل الآمال التي كان يحملها ذلك العقل – الحداثة أو التقدم – والتي تبدت كمفاهيم ومصطلحات شديدة
 الرصانة.
ان فرسان ما بعد الحداثة هم ورثة مفكري عصر التنوير (فولتير، ديدرو، مونتسكيو، توكليف) ثم العقول التي أعقبت هؤلاء والتي هي بشكل بارز متمثلة في (كانط، هيغل، ماركس) والحقيقة ان  كل مفكري عصر التنوير والذين اعقبوهم كانوا يتفقون على حقائق أساسية وتكاد تكون مسلما بها، رغم حدة الاختلافات الجوهرية في ما بينهم، ويمكن القول ان ديدنهم كان العقل.
وكانوا يتفقون على ان الحرية والعقل مرتبطان معاً ارتباطا وثيقاً حميمياً، كما ان عليك كي تكون عقلانياً ينبغي أنك قد ادركت ان الحرية هي هدف التأريخ.
في الزمن الذي اعقب الحرب العالمية الثانية كان فكر الحداثة يتعرض إلى التمحيص والنقد الشديدين، وهذا النقد كان يستهدف العقل الذي اسس اطار المشروع الثقافي الإنساني الغربي، والذي كان محط الامال الكبيرة التي كان ينطوي عليها هذا العقل في تأسيس ( اليوتوبيا) التي تمثلت أساسا في نظام نظري مفاهيمي، لقد أراد هذا النقد ان يغير من مرتكزات العقل القديمة ويبدل من تصوراته التي تعرضت إلى الاهتزاز، رافق ذلك توجه فكري عريض تمثل في ظهور افكار وتعليقات متنوعة
ومتباينة.
فالبنيوية أكدت انحصار الإنسان بمواجهة البنى والأنساق والمؤسسات، أما التفكيك فقد كان يقابل البنيوية او يتمنى أن يكون بديلاً لها، وهو يريد أن يثبت أولا..
ان ليس هناك بنى وأواصر، إنما هناك تفكيك ووحدات مجتزأة، وثانياً ان التأكيد الاول سعى الى القول بان ليس هناك حقيقة مطلقة، وان كانت في حالة من التفكك والتشظي وقد اقترن بموقف التفكيكية بالتنظير التأويلي (الهرمنيوطيقيا) إذ نددت هذه بالمعنى للنصوص بكافة
تبدياتها.
ان لمشروع – ما بعد الحداثة – نمطاً خاصاً في تأويل الاحداث الواقعية وفي مقال لـ (بودريارد) مفكر فرنسي ما بعد حداثوي يزعم ( أن ليس هناك – حرب خليج – والذي يجري هو حرب خطابات إعلامية متقابلة ومتصاعدة).
ترى اهي لعبة لغوية! .. ام اخفاء عما يجري واقعاً! ان المشروع ما بعد الحداثوي ما زال يغلي في عمق كيان الفكر الأوروبي ، ترى ما الذي يعقب ما بعد الحداثة وما هي مسمياته.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *