كل ثورات العالم ونظرياتها الفكرية ترتكز اساسا على الحالة الاجتماعية من قبول ورفض وقناعة مجتمعية معتمدة على حالة فكرية مفهومة ومقبولة تنتقد وترفض واقع معيين متناقضة معه وتطمح وتعمل على تغييره عبر وسائل مختلفة قد تكون سلمية او عنيفة او كليهما معا . ما يحدث في العراق الان حالة تراكمات قديمة تاريخية من المفاهيم المتداخلة والتجارب القاسية متأثرة بالافكار والنظريات المختلفة الدينية والشيوعية الاشتراكية والرأسمالية والرجعية المرتكزة على امور وبديهيات معاشة غير متحضّره ولا انسانية لها مقبولية مجتمعية . كل هذا الخليط الغير متجانس اثر تأثير واضح على الواقع العراقي والعربي والعالمي مسببا خسائر مادية ومعنوية واحيانا بشرية كبيرة . كان يغري بسهولة الاختراق والتظليل لهذه المجتمعات وخاصة العربة منها من قبل اعدائها والطامعين بها . من اقوى الاساليب والوسائل الدفاعية ضد المعتدين والطامعين هي حالة الاتفاق المجتمعي الذي يعني التوحد على مفهوم محدد والقناعة بالاساليب المستخدمة المشروعة لتنفيذ هذا المشروع تقابلها القناعة الشعبية والثقة بالقيادات التي تعمل من اجل تنفيذهه واشاعته . والحقيقة ان هذا الوصف يعتمد بشكل اساس على سعة الوعي العام والثقة المتبادلة بين القيادات والقواعد الاجتماعية.
من الصعب وبشكل كبيراحتمالية اقناع الشعب العراقي بالاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ونتائجه السلبية المهينة . منذ الشهر الاول كانت اسرع مقاومة بالعالم لهذا الاحتلال . وكان الاعلان الامريكي الكاذب والمضلل لأيقاف هذه المقاومة هواعلان سحب القوات الامريكية من العراق . خفتت المقاومة لفترة قصيرة بعد ان سلمت امريكا العراق لايران كمحتل بديل حامي للمصالح الامريكية واشتعلت واستعرت المقاومة ضد النظام الحاكم في العراق الذي يدعي الوطنية والاستقلال وهو في حقيقته اداة استعمارية لكل من امريكا وايران فكانت المقاومة السلمية والمطالبة بتنفيذ الحقوق في سنة 2008 وما تلاها الى الآن كانت في بداياتها المطالبة بحقوق بسيطة منطقية وسهلة التنفيذ مثل الكهرباء وتوفير فرص العمل وتقليص البطالة واصلاح البنية التحتية والشروع بحل ازمة السكن لكن كل هذا لم يحدث مترافقا مع ازدياد واردات العراق المالية وكبر حجم الثروة المالية للعراق وبعثرتها بشكل مقصود لا مبرر له منثورة هنا وهناك بين ايران وادواتها والكويت وامريكا وروسيا وغيرهم كتعويضات وصفقات سلاح لا داعي ولا مبرر لها .
امريكا اعتمدت ايران للسيطرة على العراق على اساس التأثير الديني الايراني ” الشيعي ” متجاهلة في الوقت نفسه الوطنية العراقية والقومية العربية والتنوع الطائفي والقومي والديني العراقي . من جانبها ايران لم تصدق استحواذها على العراق بهذه الطريقة وهذه السهولة فتصورت كل من امريكا وايران حكم العراق ونهبه وتخريبه والانتقام من شعبه على اساس حسب تصورهم جهله الواسع وحتمية ولائه للمرجعيات الدينية الشيعية التي تمثل ” التيار الشيعي الايراني الحاكم ” ولم يدركوا امكانات شعب العراق الفكرية والثقافية والنظالية الواسعة والعميقة . الولايات المتحدة الامريكية اخطأت في تسليمها العراق الى ايران واخطأت ايضا بالتعويل على الحالة الدينية الايرانية العنصرية المذهبية الطائفية متجاهلة كل اطياف العراق . كان على امريكا بأقل تقدير ان تتعامل مع العراق نتيجة احتلالها له مثل ما تعاملت وتتعامل لحد الان مع المانيا واليابان وكوريا الجنوبية بعد احتلال هذه البلدان في الحرب العالمية الثانية .
لكنها توهمت بأنها ستضلل العراقيين والعالم بصناديق انتخاب مصيرها التزوير والغش والحرق وحبر ازرق يلوث اصابع عدد من مؤيديهم المشاركين ودستور ناقص وملغوم اسسه الحاكم العسكري الامريكي ” بول بريمر ” واعوانه من الايرانين وبهذا التضليل الكاذب سيقرّون ديمقراطيتهم المتهرئة الكاذبة . للخروج من هذه الازمة وهذا المأزق خلقوا داعش ” ايران وامريكا وانظامين العراقي والسوري ” فكانت الهاء واستنزاف واستهداف وعذر مشروع للقتل والتخريب والابادة الجماعية والازاحة السكانية والهدر المالي العام والخاص لكل مكونات المجتمع العراقي . واستمرت لحد 2014 ولا زالت قابلة للاستظهار احيانا من قبلهم ” نفس القوى الصانعة لها ” العراقيين خصوصا وبعض العرب ادركوا داعش ومن وراءها منذ اليوم الاول لبداياتها . وكيف ان الاستعمار الامريكي والايراني اتخذوها كورقة ” جوكر ” واستخدامها للفترة الزمنية المطلوبة . بعد ما نفّذت الغرض المطلوب منها اعلنت امريكا والمتعاونين معها انتهاء داعش والانتصار عليها شكليا ككتل بشرية ظاهرة وفاعلة . وآخر ذلك اعلان امريكا قتلها ” لزعيم داعش ابو بكر البغدادي ” حال من الكذب والافتراء على العالم . من المؤكد ان الولاات المتحدة لم تقتل البغدادي او تحاول قتله لكنها نقلته واخفته بالاتفاق معه لتمويه العالم وتضليله . نرجع الى موضوع ثورة الشعب العراقي التشرينية المستمرة .
بعد اليأس الشديد لجماهير الشعب العراقي واتساع وعية وترسيخ قناعاته طيلة ستة عشر عاما بأن الجبل الايراني الامريكي بعد تمخضه لم يخلّف شيء حتى ولا فأر . فكان جيل الشباب جيل الاحتلال الذي كان معولا عليه من قبلهم على اساس انه جيل متدني الثقافة دوني الارادة لا يرتقي ولا يفهم ولا يعي اغرقوه بكل الوسائل الا مشروعة والكمالية الغير مهمة جيل استهلاكي غير منتج لا واعي لوطنيته وما يدور من حوله حسب اعتقادهم . لكنه وبقدرة قادر انقلب هذا الجيل ” جيل الاحتلال ” الى مارد هز وارعب الجميع بوطنيته ووعيه وادراكه وصموده العالي وتضحياته المتميزة اول المرعوبين الولايات المتحدة الامريكية التي لا تعرف ماتقوله وماتفعلة تجاه البركان الغير متوقع ابدا في كل حساباتها ومراكز دراساتها واجهزتها التجسسية ونضرياتها الاستعمارية . وكذلك مرغ انف حكام ايران وادواتها واتباعها من رجال دين وسياسيين لعبو على المسألة الطائفية لزمن وارعب ويرعب حكام الكويت الذين تمادوا في غيهم باستمرارهم في أذية العراق وسلب حدوده وماله وثرواته . وتعالت اصوات صافرات الانذار في اسرائيل مستبشرة بعهد جديد سيئ ومقلق وقوي غير معهود لا يمكن فهمه والسيطرة عليه . كل هؤلا الذين ذكرناهم ومن لم نذكرهم لا يمكنهم التعامل مع ثوار العراق في الحال الحاضر او المستقبل الا بالرضوخ لأرادتهم وهذه حتمية مقلقة غير قادرين على مواجهتا . ايران تخشى ما تخشاه قيام ثورة داخلية اشبه بثورة شعب العراق وهذه متوقعة بل حالة حتمية قريبة . لقد انهارت مرجعياتهم التي اعتمدوها في العراق الدينية والسياسية والعسكرية وستنهار داخل ايران نفسها . في حقيقة هذه الثورة كان شبح تقسيم العراق ” فزّاعة ” يلوّح بها كل اعداء العراق وكانت الحرب الطائفية يزمر لها القاصي والداني من هؤلاء . لكن ثورة الشعب العراقي هذه لطمت جميع من كان يتأمل ذلك على وجوههم وبعثرت آمالهم وما كانوا يستبشرون .