جدوى الإبداع ثانيةً

جدوى الإبداع ثانيةً
آخر تحديث:

باقر صاحب
بحسب متابعتنا للصحافة الثقافية المحلية والعربية، نرصد أن هناك تجديداً لطرح موضوعات قد أشبعت بحثاً، تستجد مناقشتها في أعمدة ومقالات واستطلاعات، وبحسب ما نرى، فإن مراجعة القضايا الكبرى في الثقافة والإبداع تقليد صائب، لتقصي رؤى أجيال مختلفة بشأنها تتعايش كتابة ونشراً في آن واحد.من تلك القضايا جدوى الإبداع الآن، وقدرته في التأثير والتغيير فهل من المبالغة الإيمان القطعي بقدرة الكتابة الإبداعية على التغيير. سؤال ينبثق عنه سؤال آخر، هو ماهية هذا التغيير، ما مقدار شموليته لجميع مجالات الحياة، بما فيها المجال السياسي والاجتماعي، أم هو مقتصر على النخبة المبدعة الذين، في جانب من جوانب تأثير الكتابة الإبداعية، يعيدون إنتاج المقروء، فيتسلل هذا المنتج إلى كتاباتهم، لتصح بذلك مقولة الشاعر والكاتب الفرنسي بول فاليري بأن (الأسد عبارة عن خراف مهضومة).المبدعون راهناً، الكبار منهم، ومنهم من هو على طريق النضوج الإبداعي محبطون بسبب قلة قرائهم، القلة هذه تعادل محدودية التأثير في الذوات المتلقين للكتابة الإبداعية.
الإحباط يمكن ربطه بتقرير ثقافي نشرته (اليوم السابع) المصرية  بتوقيع بلال رمضان عن ملتقى الرواية العربية في تونس، وفيه طرح لآراء الروائية العراقية المغتربة إنعام كجه جي بشأن قدرة الرواية العربية على التغيير، كان طرحها نوعاً من التهكم، ووصفها تناول الموضوعة من جديد، بإعادة فتح الجروح، وترتيقها ، فتقول ” أنا لا أعد بأننا سوف نرتق الجروح التي فُتحت، فلدينا مثل عراقي يقول الرقعة كبيرة والخيط قليل، ولا أدري إن كانت الرواية العربية قادرة على تغيير أي شيء، فكم نسبة القراء؟ وأي مواهب فذة، هي تلك التي تحتاج أن تمسك بالمعجزة وتلقي في البحيرة الراكدة بحجر؟”
هذا الكلام يعني في ما يعنيه أن الأديب عامة ينبغي أن لا يحمل ذاته الإبداعية بما لا تستطيع حمله، بأنه الرائي والمخلص والمنقذ، وتلك الرؤية تنبه لها، على سبيل المثال لا الحصر، الشاعر العراقي السبعيني الراحل عبد القادر، خاصة في مجموعته الشعرية ” دع البلبل يتعجب”. وقد درسناها دراسة مستفيضة في مقال سابق قبل سنوات. مفاد الرؤية إنه آن أوان عدم تحميل المبدع لنفسه أو من قبل الآخرين بما ليس له القدرة على حمله، فهو صانع كلمات يقولها بطريقته الخاصة، فإن وفق في ذلك سمي مبدعاً، ولكن قضية التأثير، ستظل نسبية، تتحكم بها قضايا النشر والتوزيع والترويج والوضع السياسي والاقتصادي والحراك الثقافي، وليس من السهولة التوفيق بين صناعة الكلمات بنسيج نصي متقن وبتأنٍ، وبين العمل كبائع كلمات ومروّجٍ لبضاعة حروفية، لا يهمه تثوير الجروح، بل ترقيعها.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *