جون كيري وتجارة المحرمات

جون كيري وتجارة المحرمات
آخر تحديث:

 

  ابراهيم الزبيدي  

ينسى إخوتنا السياسيون والمحللون العرب وهم يتلقفون (الحبة) التي رماها جون كيري بتلويحه مؤخرا بالتفاوض مع بشار الأسد، ويجعلون منها قبة، أن الاستدارة الأمريكية نحو إيران (جمهورية) وليست (ديمقراطية) من أساسها، بدأت وترسخت في الأيام الأولى التي أعقبت طرد صدام من الكويت. حيث بدأ القبول الأمريكي المثير للعجب بالتفاهم والتناغم بين إدارة بوش الأب وبين مخابرات إيران ونظام حافظ أسد على سطح المعارضة العراقية السابقة، وما تلا ذلك من تطنيش أمريكي ديمقراطي (بيل كلنتون) ثم جمهوري (جورج بوش الإبن)، عن تمدد إيران في العراق وسوريا، القبول بما تفعله في حدائق أمريكا الخلفية، بشرط أن يظل في الحدود المرسومة، وضمن القيود التي أدركتها إيران والتزمت بها، على الأقل في السنوات الماضية.

 

وما ورقة التفاوض مع بشار الأسد التي رماها جون كيري على الطاولة مؤخرا إلا واحدة من العصي التي تهش بها إدارة أوباما على إيران في آخر أشواط المفاوضات المملة المنهكة حول برنامجها النووي. والدليل على ذلك أن بريطانيا التقطت الإشارة لترمي بورقة أخرى مقابلة تعلن أن لا وجود لبشار في أي حل للمأزق السوري.

 

شيئان، فقط لا غير، تلتزم أمريكا، ب (جمهورييها) و(ديمقراطييها)، بعدم التساهل مع من يمسهما بسوء، وهما مصالح أمريكا القومية العليا، وأمن إسرائيل. مع أن هذا الأخير يدخل ضمن تلك المصالح.

 

ومن الحقائق الثابتة التي أعلنت عن نفسها بكثير من الأدلة والبراهين، وعلى امتداد قرن من الزمان أن الغرب، أمريكا وأوربا، رغم تحالفه مع النظام العربي ودفاعه عن (بعض) وجوده، مصلحيا ومرحليا، لا يأمن ولا يثق بالجماهير العربية التي تحقد على الغرب (الاستكباري)، بكلام الشيعة، و(الاستعماري) بلغة السنة. لذا فهو بحاجة دائما إلى منع التغيير في موازين القوى في المنطقة العربية بما يسمح بضع القيادة في أيدي هذه الجماهير، ويهدد، بجد، مصالحه الأساسية في المنطقة.

 

وأمريكا وأوربا، معا، أصبحا متأكديْن، بعد تجارب عديدة مدمرة، من أن إسرائيل غير قادرة، وحدها، على تثوير الجماهير العربية، على بعضها، بصراع طويل منهك يبعثرها ويفقدها الإرادة. وهما، في الوقت نفسه، لا تريان خطرا جديا على مصالحهما العليا في توسع إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومحاولاتها الدائبة لاقتحام أي دولة عربية أخرى، فقط إذا حصرت عداءها لأمريكا والغرب وإسرائيل في قشوره الكلامية غير الناجزة.

 

ومن هنا يصبح امتلاكها سلاحا نوويا خروجا على المبدأ، غير مسموح به، بأي شكل من الأشكال. وهذا ما يفسر لنا كثيرا من تساهل إدارة أوباما مع الإندفاعة الإيرانية العسكرية والسياسية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وذلك من أجل انتزاع موافقة إيرانية نهائية وحازمة على التخلي عن حلم إنتاج السلاح النووي، مهما كلف الأمر أمريكا وأوربا من تنازلات سياية، وخسائر أخلاقية، ووجع راس اقتصادي في المنطقة.

 

والأمريكان، والأوربيون، والعرب والعجم أيضا، يعلمون بأن كسر الظهر الإيراني، وإنهاء حلم الوصول إلى شواطيء البحر الأبيض والأحمر، والبقاء فيها قرنا قادما آخر، لن يتحقق إلا بإسقاط بشار الأسد وطرد الحرس الثوري وحزب الله من سوريا، وإعطاء المعاول العربية المتأهبة الضوء الأخضر للبدء بتدمير ذلك الحلم غير المنطقي وغير المعقول وغير المسموح به، وإطلاق موسم الهزائهم، وصولا إلى إسقاط النظام الديني الطائفي الحاكم نفسه في إيران، في النهاية. وعلى هذا يجيء تصريح كيري لطمأنة النظام الإيراني، من جهة، وتهديده أيضا من جهة أخرى. ولجوء الإدارة الديمقراطية إلى إحراج الأغلبية الجمهورية بإقحام مجلس الأمن الدولي في الصراح بينهما، واستصدار قرار أمميا برفع العقوبات عن إيران، تفسيرٌ آخر لتصريح جون كيري الأخير. إنه يعلم بأن بقاء بشار محرم أمريكيا وأوربيا وعربيا، ولكن لا بأس من المتاجرة، أحيانا، بالمحرمات.وحقيقة الموقف الغربي النهائي والحاسم من بقاء بشار، ومن هيمنة إيران على سوريا ولبنان، لن يظهر ولن يترجم إلى أعمال ملموسة على أرض الواقع إلا في نهاية لعبة جر الحبل هذه مع إيران، سلبا أو إيجابا، في الملف النووي، وسوف نرى.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *