فلاح المشعل
استغرب أشد الإستغراب لحديث بعض السياسيين العراقيين عن أهمية وجود جيش (عقائدي)،أوغياب العقيدة عن تشكيلات الجيش الذي استحدث بعد 2003،هذه الفكرة التي تطل برأسها مع كل حديث يتداول هزيمة الموصل ، تكشف عن خواء معرفي لفكرة الدولة ومفهوم العقيدة ، ولاغرابة من سياسيين تم استيلادهم في انابيب الأحزاب السياسية الطارئة ،وليس رحم الواقع العراقي ومعاناة العمل السياسي والإجتهاد في سوحه .
تعطي الدولة بعد ان تستوفي شروطها الثلاث (شعب ، وطن ، نظام حكم)، قوة شعور بالإستقرار الذي يترشح عن فلسفة هذه الدولة وجملة القوانين الدستورية والإجرائية التي تبلور فلسفتها ورؤيتها ومفاهيمها في منهجيات ثابتة ، ومؤسسات تترابط على وفق تعليمات تلك المفاهيم وفلسفتها .
وقد اقترحت المسيرة التاريخية للدولة ضرورة وجود جيش يشكل ذراع قوة وجودها الدولة وحمايتها، ومع تقادم عمر الدولة يكتسب الجيش تراكم القوة والإهتمام المادي من جهة، وبلوغ رسالة الدولة الفلسفية والعقائدية من جهة اخرى ، وهنا يبرز سؤال مهم عن ماهية هذه العقيدة التي يحملها الجيش ؟ وماهي الأهداف التي ينبغي ان تمثل محدداته العقيدية ؟ أي ثوابت أم تخضع للمتغيرات السياسية ولون نظام الحكم والشخصيات في مؤسسة الجيش .
الدول ذات الأنظمة الإيديولوجية والشمولية والمركزية، تحاول ارساء الجيش على وفق نظرياتها وافكارها وعقيدتها، وبهذا تطمغه بصبغتها السياسية ، وتطلق عليه خطأ ًتسمية الجيش العقائدي ،الدول الديمقراطية والرشيدة والعديد من انظمة الحكم الملكية أو التي توصف بالرجعية، فأنها تقيم تربيته على مبادئ ثابتة تتمثل بحماية الوطن والشعب من الإعتداء الخارجي أو الكوارث التي تتعرض لها الأمة ، وهنا يحمل الجيش تمثيلا لإرادة كل الأمة وليس طبقة أو حزب أو طائفة أو قومية .
وفق مفاهيم العقيدة العسكرية التي ابتكرت خلال القرن الأخير ، ظهر مصطلح العقيدة في طريقة إعداد وتدريب وتسليح الجيش، أي من الناحية الفنية والمهنية، بعد ان انقسم العالم الى كتلة غربية تمثل امريكا واوربا الغربية ، واخرى شرقية تمثل الإتحاد السوفيتي والدول الإشتراكية ، وبحسب مصادر الإنتماء والتسليح ودرجة الميل السياسي صارت تطلق على الجيوش تسمية العقيدة الغربية أو الشرقية .
السياسي العراقي لايدرك معنى مطالبته بوجود جيش عراقي عقائدي، لأنه لايدرك معنى ان يجري تفكيك الدولة وتحطيم انساقها وثوابتها القيمية التي ربما لاتقوم ثانية ، كذلك لم يستنتج فحوى الفقه السياسي والتنظيمي الذي جاء به دستور العراق النافذ وتركيبته المهجنة والمتناقضة، مابين الديمقراطي والإسلامي والطائفي والوطني، وتلك الفوضى السائدة في عشر سنوات من عمر تفكيك الدولة العراقية ، واستحالة بناء جيش وطني في ظل نظام حكم يدعي الديمقراطية لكنه يمارس أقسى وأبشع اساليب الدكتاتورية ، ويعلن عن دولة فيدرالية وحكم لامركزي ، بينما القرارات تتبع سياقات مركزية صارمة ، واحزاب طائفية تتقاسم السلطة مع غياب اي ثقافة وطنية مشتركة و …و …و …الخ .
غياب مفهوم المواطنة ، وتسيد الروح الطائفية في سلوك النظام السياسي تصبح معه مهمة بناء جيش وطني من المستحيلات ،بل تبرز أورام وانتفاخات طائفية وسياسية بموالات فردية لهذه الطائفة أو تلك ، او هذا الزعيم السياسي أو ذاك ، وبهذا لايتشكل جيش طائفي وحسب ، بل مجاميع ميليشياوية متنوعة ،الى جانب أعداد هائلة من مرتزقة لم يجدوا عمل ، ما يجعلهم يلجئون الى الإنخراط بالمؤسسة العسكرية بحثا ً عن الرزق والعيش . ذلك هو الواقع العراقي الذي يستدعي مواجهة صريحة وشجاعة من القادة السياسيين والمرجعيات النافذة في الواقع العراقي المحطم .