علي علي
يبدو ان مايعانيه العراقيون اليوم من سوء أحوال كثير من مفاصل البلد ليس حالة استثنائية او طارئة، او حدثا مرافقا لتغيير في ركن من أركان البلاد، او سياسة او نهج او شخصيات، إذ هو غاية ووسيلة في آن واحد وآنية واحدة كان قد رسمها أشخاص في وقت مضى، وهم قطعا ليسوا فرادى لوحدهم في ساحة التخطيط والتهيئة، بل تقف خلفهم جهات تتمثل بأحزاب وكيانات وكذلك دول وأمم. أما كونه وسيلة فذاك لأنه الطريق الأقرب للمتصيدين في عكر المياه، والذين يرومون تحقيق منافع دنيوية آنية تزول بزوالهم، أما كونه غاية فلأنه هدف جهات موغلة في القدم منذ نشأة بلاد وادي الرافدين، ولاسيما بعد أن صارت الكوفة عاصمة الدولة الإسلامية إبان حكم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. ومؤكد أن الحال هذا ليس بفعل فاعل او اثنين او عشرة..! بل هو بأيدي فاعلين مهرة لا يقف عدهم على رقم معين، وهم متعمدون وقاصدون كل مايحدث، فهم يؤدون واجبهم حسب الأصول في إكمال الدور الذي كان يلعبه آباؤهم وأساتذتهم من الأمويين أبناء وأحفاد أبي سفيان.
ورغم كل المآسي التي تمر على العراق والعراقيين في يومنا هذا، إلا أنها لاتكفي لتشفي غليل البعض ممن يستمتعون بشواء لحوم البشر، الذين ان لم يجدوا نارا، استعانوا بنار الصديق والعدو على حد سواء لتحقيق تلك الرغبة الجامحة التي تنم عن ساديّتهم ودمويتهم المتوارثة، وما استغلالهم ظرفا او حالة يمر بها العراق الا محك لإظهار معدنهم الصدئ، وأقرب مثل لهذا استمرار أعمال العنف دون توقف، إذ صارت التفجيرات حالة سائدة في شوارع المدن والقرى والقصبات وأنى تواجد العراقيون، ما يدل على أن المواطن ذاته صار الهدف والغاية القصوى للمخطط المرسوم، وبات ضربه إنجازا يضاف الى إنجازات متراكمة، يحسبها أعداؤه رصيدا لدخول الجنة.. او لتناول وجبة طعام شهية مع نبي الرحمة (ص).
ومن المؤكد أن الجالسين على مقاعد البت والحل والعقد في صدارة حكم العراق، لهم اليد الطولى في ما يحدث من هذه الأعمال، وهم ينقسمون بين صانع لها.. ومستفيد منها.. حيث يبدو جليا امام اي مُنظـِّر للأحداث أن معظم التفجيرات تحدث عقب خِلاف بين كتلتين او حزبين او شخصيتين سياسيتين، وسواء أكان هؤلاء المختلفون صانعين ومدبرين لها بإيماء منهم او باجندات داخلية او خارجية، أم كانوا مستفيدين منها في تحقيق مآرب شخصية او فئوية خاصة.. فان قطرة دم مواطن عراقي بريء تـُزهَق لاتعادلها أملاك الدنيا لدى أهله وذويه، وإن كانت تهون على بعض ساسته الذين استرخصوا دماء العراقيين بأطيافهم وقومياتهم كافة، والذين يتابعون أخبار أحداث التفجيرات بدم بارد، فإنما هذا من ضعتهم حين فضلوا المصلحة الخاصة على عامة البلاد وملايين العباد. ويبدو ان الصنم الذي سقط عام 2003 ليس الوحيد الذي كان سقوطه حتميا، بل ان هناك أصناما أخرى ينبغي ان تسقط، وهذه مهمة سفّان السفينة، حيث يتوجب قطع أي يد تعبث بسلامة شراعها، وقطع دابر كل من يسير ضد التيار المؤدي لبر الامان.
ان مايجرى في منطقة خضراء او صفراء او حمراء في بغداد وباقي المحافظات، من أحداث عنف لم يعد يميز بين طائفة وآخرى، أو قومية دون ثانية، فالزناد مهيأ والأسلحة مصوبة كلها لشخص المواطن العراقي بعينه، والعبوة التي تفجر في حسينية ستفجر أخرى في مسجد وبعدها في كنيسة أو دير، يتلوها معبد للأيزيديين، ثم تنال باقي رموز العراق العريقة، وقد تنصب العبوات في باب كل بيت عراقي، وقد ثبت من السنين العشر التي خلت ان جميع العراقيين بلا اسثناء هدف شاخص لفرضة وشعيرة أعداء متلونين، منهم من هو معروف ومنهم بزي صديق، يكشِّر عن أنيابه في اية لحظة، ولم يعد ذلك خافيا على العراقيين، كما قيل:
إذا امتحـن الدنيـا لبيبٌ تكشـّفتْ
لـه عن عـدو في ثيـاب صديـق