حداثة المعلم

حداثة المعلم
آخر تحديث:

ياسين النصير

كما هو معتاد، أن نؤمن بما يقوله المعلم، سلبًا كان أم إيجابًا، هذا ما دربنا عليه منذ أن بدأنا نتعلم، فالتلقين أحد أسس المعرفة الأولية حينما تكون مفرداته منسجمة مع الفهم، لذلك اشترط التعليم معلمًا، إما لأنه يمتلك خبرة تعليمية، وإما نحن على درجة دنيا من الوعي فنحتاج لمن يرشدنا، الأمران ضمن تصورنا الواقعي محتملان، فقد يكون المعلم على دراية بما نحتاجه من وعي ضمن مفاهيمه، وقد يكون متطورًا كي يبقى معلمًا لأن بعض ما تحسسه فينا لم يرتق إلى مستوى القناعة. فالطابع الفكري الذي يتركه الزمن على الأجيال يتطلب معلمًا مرن التفكير، ليس من شيء ثابت، كل شيء يغادر موقعه، وأي تربة لا تبقى دون حراثة تفسد، التعليم حراثة. والنبت، هو نحن تلاميذ المعلم، ونستطيع عندما لا تكون نصائحه متغيرة أن نرفض ما  يقول. 
وخلاصة القول: لابد من معلم في كل مراحل العمر، ولابد من أن نكون تلاميذًا لمعلم ،الفرق أننا في تقدم العمر نصبح معلمين ، دون أن يلغي ذلك أننا مازلنا تلامذة، هذه الرؤية المتضايفة توسع من قاعدة التعّلم، وتُكثر من المتعلمين، كما توسع من دائرة الاختلاف والاجتهاد بين أجيال واجيال ، أما إذا انفصلنا عن المعلم، واعتبرنا أنفسنا قادرين وحدنا دون السماح للآخر أن يجاورنا بالرأي، فقدنا قيمة أن نكون حداثويين، فحداثة التعلم هو عدم البقاء ضمن دائرة تعليم محددة، ولا ضير أن يتغير المعلم، ولكن كل الضير أن يبقى المنهج نفسه. 
وقبل أن ننتقل إلى نقطة ثانية، علينا أن نفرق بين التعليم والتعلم: يرتبط التعليم بالتلقين والتكرار والدرس الثابت، بينما ينفتح التعلم على الحياة وأسئلتها والدرس المتغير. لذا فأهمية التعلم مهما كانت هي، أن نتوجه إلى القوى الأولى للحياة، الى تلك المجاهل غير المكتشفة في الطبيعة، وعلينا أن نتعرف على هذه القوى، التي تبقينا ضمن دائرة التعلم المستمر. من أوليات طرق التعلم، هي اكتشاف المواضيع التي لم تحسم إلى موقف محدد، فالجدلية فيها تبقى قائمة بوجود عنصري التوافق والاختلاف الدائمين، كل القضايا التي بحاجة إلى حوار وفهم جديد، هي ما يجب أن يدور عليها التعلم، وعلينا أن نتصور ما سوف يحدث: فالمواضيع غير المحسومة تعيش حالة توتر دائمة. 
وهذا ميدان فاعل بالنسبة للفنون والكتابة الروائية والشعرية، فأي موقف قد وصل إلى مرحلة الحسم ليس بمقدوره أن يوّلد أسئلة، أي أنه أصبح ضمن قائمة التعليم،التلقين، التكرار، والبنى الجاهزة للشراء، في حين أن البحث عن الجديد في المواضيع غير المحسومة يتموضع في أسئلة القلق والشك، الأسئلة التي تبحث عن مصباتها المجهولة، أي ضمن منهجية التعلم المنفتح، ولو أمعن الروائي والشاعر النظر الى المصبات المجهولة لوجدها تتموقع في “المابين” أي بين القديم والحديث، بين التراث والمعاصرة، بين الشفاهية والمدونة، بين التاريخ والجغرافيا، بمثل هذه المواقع “المابينية” القلقة، الممتلئة بسؤال الشك،يجد أن البحث عن مستقبل الأفكار هو الطريق إلى الحقيقة، والبحث قائم في فكرة التعلم، لا في فكرة التلقين والتكرار.عندئذ سنكون دائما بحاجة لمعلم  جديد.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *