باسل عباس خضير
بعد ان صادق مجلس النواب على الموازنة الاتحادية لسنة 2015 , بدأت اسعار الدينار العراقي بالانخفاض مقابل الدولار الامريكي بحيث وصل سعر تصريف الورقة (المكونة من 100 دولار) من 120 الف دينار الى 125 الف دينار , وقد انعكس ذلك على اسعار السلع والخدمات في الاسواق المحلية حيث ارتفعت اسعارها الى اكثر بكثير من ارتفاع اسعار صرف الدينار , لأن اكثر البضائع التي يستهلكها شعبنا يتم استيرادها من الخارج بالعملة الاجنبية ( الدولار ) , وهذه الصفة ملازمة لحالة الاسعار منذ عشرات السنين حيث ان المواطن يتضرر حين تنخفض قيمة الدينار ولكنه لا يشهد أية فوائد عند تحسن اسعار الصرف , ويعتقد البعض بان اسباب انخفاض سعر الدينار يعود الى ما تضمنته المادة 50 من قانون موازنة 2015 التي الزمت البنك المركزي العراقي بان لا تتجاوز مبيعات مزاد العملة عن 75 مليون دولار يوميا , مع توخي العدالة في عمليات البيع ومطالبة المصرف المشارك ببيانات التحاسب الضريبي والادخار الكمركي ومستندات ادخال البضائع خلال 30 يوما من تاريخ الشراء وبخلافه تطبق على المصرف الاجراءات العقابية .
ومما يدل على ان انخفاض سعر صرف الدينار ليست له اية علاقة بالمادة 50 من قانون الموازنة التي اشرنا اليها , ان قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2015 لم يطبق بعد لعدم نشره في الجريدة الرسمية لحد الآن , كما ان ما شهدته مزادات بيع العملة هو انخفاض عمليات بيع الدولار لأقل من 75 مليون في بعض الجلسات , مما يعني ان هناك اغراضا معينة من رفع قيمة الدولار , والأغراض واضحة وهي محاولة البعض لتحريك الضغط الشعبي باتجاه عودة الامور الى سابق عهدها , بمعنى الانفلات في مزادات بيع العملة بما يحقق مصالح المتعاملين بهذه المزادات الذين يحققون مكاسب عالية من تلك المضاربات , ويبدو ان تجار الدولار لم يشبعوا بعد فقد تعودوا على هذه التجارة الرابحة التي تدر المدخولات الكبيرة , فخلال السنوات 2006- 2013 قام البنك المركزي ببيع 312 مليار الدولار في مزاده سيء الصيت وحين تسال المسؤولين عن ادارة هذا البنك , يقولون لا تخافون من بيع الدولار لان كل دينار هو مقوم بسعر الدولار , ولكن هؤلاء لم يتيحوا الفرصة الحقيقية للمواطن المسافر او المتعالج بشراء الدولار بشكل طبيعي وانسيابي وعلى غرار البيع للآخرين في مزاد العملة اليومي والمستمر لستة ايام في الاسبوع .
ومن الناحية الحسابية فقط , فان الأرباح التي تحققها مبيعات الدولار من البنك المركزي تعطي أرقاما مشجعة في ولوج هذه اللعبة (تجارة العملات ) , فشراء الدولار من المزاد يتم بسعر 1166 دينار ويتم بيعه للأسواق بسعر 1250 دينار على الأقل , وبذلك يكون الربح المتحقق 84 دينار عن كل دولار أما نسبة الربح من بيع الدولار الواحد فهي 7,2% يوميا , ولوجود ستة أيام مبيعات في مزادات المركزي فان النسبة ترتفع الى 43,2% , وعلى فرض بان الشهر يتكون من أربعة أسابيع فان نسبة الربح من بيع الدولار الواحد تكون173% , وهذا يعني بان كل دولار له القدرة على أن ( يبيض ) أو ( يلد ) اكثر من مرة واحدة في كل شهر , ولكم أن تحسبوا مقدار ما يجنيه الدولار خلال مبيعات البنك المركزي من أرباح مجزية خلال السنة الواحدة , في عمل خال من المخاطرة وليس فيه جهد ولا يحتاج إلى استثمارات ضخمة لان كل ما يشترى يباع باعتبار إن الدولار يتمتع بأعلى طلب في الأسواق . ومن الغريب حقا , إن أسعار صرف الدولار مستقرة في مزادات البنك المركزي ومتقلبة في الأسواق المحلية , لدرجة إن المواطن يتفقد أسعار بيع وشراء الدولار يوميا بينما هي ثابتة في اغلب البلدان ومنها لبنان على سبيل المثال فأينما تذهب فالسعر فيها 150 ألف ليرة لكل 100 دولار .
ولان الدينار العراقي متجه نحو مزيدا من الانخفاض امام الدولار وان ذلك يضر بمعيشة البسطاء من ابناء شعبنا من خلال التأثير في اسعار السلع والخدمات , فان الجهات المعنية في الدولة امام واجب وطني لترك سياسة ( الدولرة ) التي اتبعتها منذ سنين , باعتبارها سياسة اثبتت إضرارها بالاقتصاد الوطني وشجعت على الاثراء غير المشروع وإحداث أضرار فادحة بالمنتج المحلي من السلع الصناعية والزراعية وغيرها , وأسهمت بشكل كبير في هجرة رؤوس الاموال وغسيل الاموال , وقد تكون من العوامل ذات العلاقة بالأحداث الامنية والعنف الداخلي , كما انه من الواجب ان تتم مراجعة السياسات والقرارات التي اتبعت في البنك المركزي العراقي , فقد شكلت لجان تحقيقية بهذا الخصوص ولكن احدا لم يلمس نتائجها بعد سوى احالة بعض صغار الموظفين على التقاعد او النزاهة او القضاء , فثروات العراق من الدولار والعملات الاجنبية الاخرى ليست ملكا لأحد وإنما ملكا للشعب , وان الحصانة التي انشأها قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004 لموظفيه وبعض مواد هذا القانون لم تكن بقرار من الشعب وإنما من صناعة السفير الامريكي بول بريمر , والذي اثبتت الاحداث ان كل ما وضعه لم يكن يصب في مصلحة العراق , وإنما لخدمة مصالح من صنع قرار احتلال العراق بما في ذلك هدم الاقتصاد الوطني , لجعله معتمدا على الصادرات النفطية ليكون كأوراق الشجر بحيث تتساقط مع كل حركة رياح تهب يمينا او يسار .
وان المعلومات الموجودة في البنك المركزي العراقي ويعلم بها اعضاء اللجنة المالية في مجلس النواب ومنهم الدكتور احمد الجلبي والسيد مسعود حيدر , والتي تفيد بان البنك باع اكثر من 40 مليار دولار في 2013 و52 مليار في 2014 , وان المبيعات تتركز لمصارف معينة هي عبارة عن دكاكين للصيرفة والتي بلغت اكثر من 4 مليارات دولار سنويا لكل واحد من العدد المحدود من البنوك , يجب ان تفسر من الناحية الاقتصادية في علاقتها بالتنمية التي لم يتحقق منها شيئا في العراق , وفي علاقتها بالإحداث التي يمر بها العراق من حيث تعرضه للازمة المالية التي باتت تهدد رواتب الموظفين لأنها ستلجأ الحكومة الى الاحتياطيات والاقتراض لدفعها , وإلا ثار الموظفون في الشوارع عند نهاية كل شهر مطالبين بالرواتب لأنها مصدر رزقهم الوحيد , فاغلب الوظائف في العراق تحولت الى اشبه ما يكون ببرنامج الحماية الاجتماعية , وقد عبر عن ذلك المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء الذي قال ان معدل عمل الموظف العراقي يبلغ عشرة دقائق يوميا , رغم ان ساعات العمل اليومي رسميا هي سبع ساعات وان اغلب الادارات تتشدد في استخدام ( البصمة ) لضبط مواعيد بداية ونهاية الدوام للموظفين , وبذلك تتكامل اطراف المعادلة الاقتصادية لهدر الثروات , هدر الدولار لأكثر من 50 مليار وهدر الوظائف التي تكلف اكثر من 45 مليار دولار ومجموعهما يعادل ايرادات النفط , والتي صاغها وينفذها حرامية الدولار بطريقتهم الخاصة من خلال بسط نفوذهم في المكان المناسب للتنفيذ .