حقيقة المديونية الحكومية في العراق

حقيقة المديونية الحكومية في العراق
آخر تحديث:

بقلم:باسل عباس خضير

المديونية ليست خطرا يحدق بالبلدان في كل الأحوال ، فاغلب دول العالم لها ديون وبعضها  تجعلها إحدىالأدوات لبناء الاقتصاد فتقوم بتوظيفها باستثمارات قادرةعلى تغطية تكاليف خدمة الديون ( دفع فوائدها ) وسداد أقيامها في الموعد المطلوب وفي تحقيق القيمة المضافة للاقتصاد ، واغلب الدول ذات الاقتصاديات العالية لها مديونية ولا تشكل ( بعبعا ) مادامت تستخدم في تعزيز الناتج المحلي وليس لدفع الرواتب والامتيازات وخدمة السراق ، وتبلغ المديونية الحكومية للدول 97 تريليون دولار وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول بـ31.8 ، تأتي بعدها بتسلسل الدول الأكبر مديونية ( الصين 15.5 ، اليابان12.9 ، فرنسا 3.3 وإيطاليا 3.1 و الهند 3.1 وكل من ألمانياوبريطانيا بقيمة 3 تريليونات دولار) ، وعربيا تجاوزتالديون الحكومية هذا العام 1.5 تريليون دولار والدولالعشرة الأكثر مديونية بالوطن العربي ( مصر 409.5 مليارات دولار ، السعودية 250.7 ، الإمارات 158.9  ، الجزائر109.6 ،العراق 104.1 ، المغرب 102.6 ، لبنان 99.8 ، السودان89.4 ، البحرين 51.5 ، سلطنة عمان 48.5 مليار دولار ) ، وحسب بيانات صندوق النقد الدولي فقد تسببت الحربالروسية – ألأوكرانية بارتفاع في حجم الديون الحكوميةفي العالم إلى مستوى غير مسبوق مسجلة بذلك رقماقياسيا جديدا كسرت فيه حاجز 97 تريليون دولار ، ويرجحالصندوق أن تظل قيمة الديون خلال العام الحالي أكبر بـ11 نقطة مئوية عن مستواها في عام 2019 عندما كانت تعادل83.4%، وحسب البيانات الدولية فان العراق لا يقع ضمنقائمة دول العالم ال29 الأعلى مديونية مقارنة بناتجها المحلي ، فهناك دولتان عربيتان تتواجدان بهذه القائمةوهما السودان بديون تعادل 184.3 % من ناتجها المحليوالبحرين بنسبة 128.5 % ، وحسب تلك التقارير فان قيمة ديون العراق تعادل 59% من ناتجه المحلي محسوبة على أساس إن ديوننا 104 مليار دولار .

والمعروض في أعلاه يثبت بان بلدنا لا يقع ضمن دائرة الخطر في الديون رغم إن التقديرات الدولية لديوننا لم تعتمد على المطالبات ، وحسب المستشار الاقتصاديللحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح ، فإن ديونالعراق تنقسم إلى 3 أنواع ( داخلية ، خارجية، وميسرة جداطويلة الأجل ) وان الدين العام الداخلي يبلغ 50 مليار دولار،وما يزال بحوزة البنك المركزي نسبة 63% من أصل الدينوبفوائد سنوية بين 2 – 3%، أما بقية مبالغ الدين الداخليفهي بحوزة المصارف التجارية الحكومية، وبخصوصالدين العام الخارجي، يوضح المستشار بأنه على شقينالأول ديون واجبة الدفع وتبلغ 20 مليار دولار وتسدد حاليابشكل سنوي منتظم من جانب وزارة المالية ومن المتوقعسدادها بحلول العام 2028 ، أما الشق الثاني من الديونالخارجية والبالغة 40 مليار دولار فإنها تمثل ديونا شبهمعدومة لكون الدائنون لم يطالبوا بها بموجب بنود اتفاقيةنادي باريس للعام 2004 والخاصة بشطب 80% من ديونالعراق الخارجية قبل عام 1990 وتعود إلى حقبة النظامالسابق وفي الأعراف الدولية تعد من الديون البغيضةلكونها مولت الحرب ولم تخدم التنمية الاقتصادية ولكنها لا تزال تظهر في الدفاتر الحسابية لتلك البلدان ، ومن المتوقعشطبها بنسبة 100% دون تحديد الوقت ، أما الشق الأخيرفهي ديون ميسرة طويلة الأجل تتعلق بتمويل مشاريعالتنمية قدمت بعد عام 2003 بموجب تعهدات مؤتمر مدريدللمانحين في تشرين الأول 2003 وتستحق الدفع بعد أكثرمن 20 عاما وتقدر بنحو 6 مليارات دولار تخص وكالةالتعاون الاقتصادي الدولي اليابانية وبعض صناديق دولالاتحاد الأوروبي .

والسؤال هنا إذا كانت ديوننا لا تشكل خطرا يهدد البلاد من حيث الحجم والقدرة على خدمتها وتسديدها بآجالها فلماذا لا نستثمر فوائض الأموال لبناء قطاعات البلاد بمختلف المجالات بما يعيد الحركة للناتج المحلي وتحوله للتنوع بدلا من الاعتماد الكلي على صادرات النفط الخام بخطط اقتصادية مختلف الأهداف والمديات ؟! ، فاحتياطي البنك المركزي تجاوز ال80 مليار دولار ومن المحتمل أن يصل لأكثرمن 90 مليار بنهاية العام الحالي ، ومسوغ هذا السؤال إنالتنمية شبه متوقفة منذ سنوات والعذر كان لنقص الأموالوحاليا الأموال متوفرة بما يكفي لتنفيذ المشاريع ، والاستثمار لتنمية الاقتصاد المحلي أكثر نفعا وأمانا منتعطيل تشغيل الوفرة وتحريرها من الجمود إلى الأعمال ،كما إن الاستخدام المحلي الاقتصادي للوفرة  أفضل أثرا منالاستثمار في الخارج كشراء السندات الأمريكية التي وصلت إلى 26 مليار دولار ، وصحيح إن الذهب ( زينة وخزينة ) ولكن ما فائدة إن تبلغ مشترياتنا منه 130 طن ولا ننتج اغلب احتياجاتنا للحد الذي بلغت فيه مبيعات الدولار أكثر من مليار دولار أسبوعيا لتغطية الاستيراد ، والعراق ليس عقيما في الإنتاج المحلي ولكنه بحاجة لدعم وتمويل وحماية وإرادة وإدارة للنهوض الاقتصادي بمختلف المجالات ، والنهوض ليس شعارا فحسب وأساسه الاستقرار السياسي الغائب عن البلاد والذي اشتدت أزماته بعد الانتخابات ( المبكرة ) التي سنحتفل  بمرور عام على إجرائها دون إكمال متطلباتها الدستورية ، وهذا التأخيريعرقل وضع الخطط وإعداد الموازنة الاتحادية ورسم البرنامج الحكومي ، فالتنمية بحاجة لقرارات ومصدر القرار معطل بغياب أدوات العمل تحت غطاء تصريف الأعمالوالذي تحول إلى ( توقيف الأعمال )  بحكومة منقوصة الصلاحيات ، وخلاصة القول إن ما يعيق التنمية ليست المديونية كما يروج البعض وإنما عوامل فيها ضبابيةتحجب الفرص التاريخية عن تطور البلاد .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *