قحطان اليابس
كدأبنا كل يوم جمعه نتحضر بشكل جيد الى التظاهره , ناخذ حماماً , نشرب الشاي , نكوي الملابس , نضع عطراً , ثم نتوجه الى المكان او الساحه التي تم استحصال الموافقات للتظاهر بها , ولنكن واقعين فأن الاعدا د تقل جمعه بعد جمعه بل أخذنا نتعرف الى بعضنا بسهوله كوننا اعتدنا نفس الوجوه التي في قلبها ايمان قوي بقضية شعب , وايضا أعتدنا نفس الاشخاص الذين يرتقون المنصه , واصبحوا معدودين كالاصابع بل أصبحنا أصدقاء يلمنا همُ واحد اسمه الفساد وهم يرددون نفس المطالب لاتغييرفيها حتى أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب ولم نعد نعير أي أنتباه لها , فقط ينحصر وجودنا في ساحات التظاهر كي نتواصل مع انفسنا وكي نبعث في روحنا ولو بصيص من الامل المعدوم , ويوم بعد يوم نتساءل اين شعبنا الذي يطالب بالاصلاح وهو لايخرج معنا .
وأني أتذكر جيدا في بداية التظاهرات عندما كانت عفويه بأمتياز فقد خرجنا ونحن نطالب بحقوق بسيطه معروفه منذ سنوات ولم تستطيع الحكومه ان تنفذ حتى الاقل منها , ولم يكن عددنا مؤثر وقد كان المتظاهرون من كل الثقافات فوالله كان فينا الفقراء ومن الطبقه الوسطى وموظفين ومن القطاع الخاص وايضا كان هناك بعض الشيوخ والساده المععمين , وأبدا لم نكن نتعجب من ذلك ابدا بل وكنا نقدم المعممين علينا ايمانا منا بانهم مؤثرون اكثر منا كون المتصدين للعمليه السياسيه اغلبهم من الطيف الديني وحتى ان بعضهم القى خطبه فينا وكنا ننصت له لاننا نعتقد ان العمامه هي دلاله عن ان الذي يلبسها هو مؤتمن ومبلغ ورسالي وتعدى ذلك الى اننا قد قدمناهم علينا في حال التفاوض مع المسؤولين أو عند تقديم ورقة المطالب .
واستمرت التظاهرات وتصاعدت المطالبات وأخذت تأخذ أبعاد وأتجاهات مختلفه وقد تنامى الشعور الوطني بان العمليه السياسيه برمتها بحاجه الى اصلاح الى ان تبلورت الصيحات المطالبه بالدوله المدنيه وتم تأييدها وتسويقها اعلاميا أدى الى ظهور التيار المدني , عندها وخلال وجودنا في التظاهرات لمسنا وبشكل واضح انها خلت تماما من المعممين وللتأريخ اقول اني شاهدت واحد اواثنين منهم وقد أتوا بدون عمامه بيضه كانت أم سوده .وكان السبب واضحا جداً فعندهم ان المدنيه تلغي وجودهم السياسي واكيد انها ستؤثر على ما يعتبروه أنجازاً شرعياً في اداء الطقوس والتبليغات والحظوه الدينيه التي وصلوا اليها وقد انعدم ظهورهم ولم نر لهم اي تواجد ولاحضور ولا حتى على مستوى الاعلام .
واليوم تفاجئنا أقلها على المستوى الشخصي فقد شدّني وبشكل غريب وجود أحد الاشخاص المعممين بالعمامه السوداء وحوله بعض الاشخاص يتناقشون معه فهرعت اليه كي أسمع بالتحديد ماذا يدور وكيف يحاور الاخرين وماهي وجهة النظر من الناحيه الدينيه التكليفيه كوني مهتم بهذا الشأن بشكل خاص وبشكل عام فأنا شخصياً أنحاز الى دوله عادله ومخططه ومنتجه وهذا يتطابق مع كوني استشاري ومخطط ’ على كل حال لم استطيع الوصول اليه بالوقت المطلوب لانه سرعان ما صعد الى منصة الخطابات بطلبٍ منه او من المحاورين معه هذا لم يكن مهماً لي المهم ماذا سيلقي من كلام علينا , بدأ وبعد ان سلم وصلى على محمد والِ محمد , قال مايلي ( أما أنا فقد كنت في غاية التركيز ) اخواني الاعزاء لقد حضرت اليوم بينكم اليوم وأندهشت من نظرات الاستعجاب والاستفهام منكم وهذا شئ غريب لم نألفه من قبل كما اني لم ارى الا سواي بينكم وبما أنكم تخرجون للمطالبه للاصلاح والقضاء على الفساد فأني أدعو كل منكم أن يذهب الى الجامع أو الحسينيه القريبه من بيته وبعد ان يؤدي الصلاة خلف المعمم الذي يصلي وراءه يطلب منه ان يخرج للتظاهرات ليوم الجمعه القادم لزيادة زخم التظاهرات وعندما لايستجيب الامام على حد تعبيره للتظاهر يقل له المصلي بأنه سوف لن اصلي خلفك بعد اليوم . وهكذا لم يكن كلامه طويلاً ونزل من المنصه وأخذ جانباً خلف المنصه واحاط به بعض الشباب ولكني اسرعت لاخذ زمام المبادره السلام عليكم سيد ومددت يدي فسلم علي وصافحني , قلت له سيدنا عندي سؤال , ارجوكم سيدنا اليس في كلامكم على المنصه هو العكس تماما للخطاب المطلوب منكم فبدلا ان يأخذ الشيخ او السيد مكانه ودوره التبليغي بالحث من يصلي خلفه للخروج للتظاهر فهل اصبحت الايه معكوسه , الكل من حولي قالوا انه سؤال جيد , أجاب السيد اخي اليوم انت في دوله ديمقراطيه وهناك دستور وقانون , قاطعته سيدنا ما علاقة هذا بسؤالي لكم ثم أضفت وأن قال لي هذا شأنك ان لا ترغب بالصلاه بعدي فهذا لايهم , ياأخي لربما ان الامام الذي تصلي خلفه في غفلة من أمره أو في شغل شاغل فذكره , لم يقنع هذا أي احد من الموجودين فأخذوا يحاوره حول نفس السؤال ولم يخرجوا من موضوع المحاوره , تركت المشهد وعدت ادراجي قاصداً بيتي فمشيت ولم اركب سيارة اجره حتى استغرق في هذه المجادله وتصورت نفسي ادعو لمن اصلي بعده للتظاهر فماذا سيكون جوابه , فمرت عدة اجوبه منها مولاي ان الوضع الذي نحن فيه ربما يكون أهدى للايمان من المدنيه التي تطالبون بها , أو حبيبي نحن نخاف ان تؤدي هذه التظاهرات الى المجهول خاصة ونحن في حرب مستمره والاولى هو الأجوب , او الحقيقه اني لست مع اي تظاهره لايقودها رجال الدين , أو أن كنت تشترط علي ان افعل اى فعل مهما كان لكي تصلي خلفي فلا خير في صلاتك , او ربما يقول لي اليوم الدوله وبصراحه شيعيه ولانريد ان تكون غير ذلك , ومرت أسئله لا حصر لها منها ديني ومنها غير ديني , وقبل أن اصل الى بيتي أدركت أني استغرقت في دوامه لا فائده منها مطلقاً فمن لاتهزه الاصوات الصاخبه المطالبه بالاصلاح ومن لايسمع نحيب الثكالى ومن لايحس بجوع المساكين وألم اليتامى وبكاء النازحين ولايشعر بهذا الصوت الخفي الذي يتملكنا ويصر علينا ان أخرجوا فذلك أقرب للتقوى , لايمكنه ابدا ان يؤثر في الاصلاح مهما كان مايرتديه فأن الله ينظر الى قلوبكم وجوهركم ولاينظر الى مظهركم ولسانكم .