حكومة عدنان الزرفي محاولة يائسة لاحياء العملية السياسية
آخر تحديث:
بقلم:عوني القلمجي
“ولتعلموا ان صراع السياسيين الشيعة الذي ما عاد يطاق هو من غيّر الية الاختيار” هذا ما قاله شاهد من اهل البيت، المدعو مقتدى الصدر حول فشل المليشيات المسلحة السبعة في اختيار رئيس وزراء جديد ، على الرغم من وجود مبعوث الولي الفقيه علي شمخاني خليفة المقبور قاسم سليماني في العر اق، واشرافه على الاجتماعات التي دامت اكثر من اسبوعين. بمعنى اوضح انه لولا الخلاف الذي حصل داخل لجنة المليشيات السبعة، لاختيار رئيس وزراء، لما تجرأ رئيس الجمهورية برهم صالح على التفرد بتكليف الزرفي بهذه المهمة، وعدم اهتمامه بالخلاف الذي نشب بين المحكمة الاتحادية التي شرعنت قراره وبين مجلس القضاء الاعلى الذي رفض القرار.
ترى هل سيتمكن الزرفي من تشكيل الحكومة ونيل ثقة البرلمان، والوفاء بوعوده الوردية؟ ام انه سيلاقي نفس المصير الذي واجهه محمد توفيق علاوي، الذي اسقطت المليشيات المسلحة حكومته قبل ان ترى النور؟
“لن يمر تكليف عدنان الزرفي لرئاسة الحكومة”، هذا الشعار باتت ترفعه أغلب المليشيات المسلحة الموالية لايران، وبدأت تعد العدة لإجباره على الاعتذار عن مهمته، وابرزها “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، و”الفتح” بزعامة هادي العامري، و”عطاء” بزعامة فالح الفياض، وحزب “الفضيلة” الذي يتزعمه رجل الدين محمد اليعقوبي، وعصائب اهل “الحق” بقيادة قيس الخزعلي. وقد تجسد ذلك في اجتماعهم يوم امس في بيت عمار الحكيم، الذي نتج عنه تقديم رسالة إلى برهم صالح، تطالبه “باختيار مرشح آخر لتولي مهام تشكيل الحكومة الانتقالية المقبلة”. اضافة الى رسائل سبقتها تشم منها رائحة البارود من قبيل، “أن الرئيس العراقي تجاوز الدستور وخرق العادات والأعراف”، او إن “الكيفية التي تم فيها تكليف عدنان الزرفي “يهدد السلم الأهلي والنسيج الوطني”. او”ما حدث هو تجاوز “لكل السياقات الدستورية والأعراف السياسية”، لينتقلوا بعدها الى لغة التهديد مثل “إننا نعلن رفضنا الواضح لهذا المسار وما نتج عنه من تكليف، وسنستخدم كل الطرق والوسائل القانونية والسياسية والشعبية لإيقاف هذا التداعي، الذي إن استمر فإنه سيهدد السلم الأهلي ويفكك النسيج الوطني”. في حين وصف القيادي في تنظيم “العصائب”، جواد الطليباوي، بان ما حدث يشكل “مؤامرة حيكت بالظلام” وهدد بلغة نارية “بانهم لن يسمحوا بها ولن يسكتوا عنها وسيقلبوا عاليها سافلها على الأسياد والعملاء والمتآمرين”.
لا يمكننا ابدا عزل ما يجري من خلافات عن امريكا وايران، حيث يتصارع الطرفان لنيل حصة الاسد من الرئاسات الثلاثة. فايران من جهتها تمارس علنا الضغوط على المليشيات المسلحة لانهاء خلافاتها، من خلال مبعوثها علي شمخاني خليفة قاسم سليماني واختيار مرشح بديل على وجه السرعة،
وفي نفس الوقت تحاول ارهاب عدنان الزرفي لاجباره على التخلي عن التكليف. حيث وجه له العديد من الاتهامات، ومنها وصفه بالعمالة لامريكا واعتبارة احد رجالاتها او صبيانها. بل وتهديده بطريقة مبطنة بتصفيته جسديا. في حين تبذل امريكا وسفيرها في بغداد الجهود لكسب تاييد اتباعها من الاحزاب الكردية والكتل السنية، والمؤيدين لها من اعضاء البرلمان لتمرير حكومة عدنان الزرفي. اضافة الى مغازلة الثوار من خلال التركيز على تعهد الزرفي بانهاء المليشيات المسلحة وحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة تحت اشراف الامم المتحدة. واذا انضم مقتدى الصدر زعيم كتلة سائرون وحيدر العبادي زعيم كتلة النصر، الى المؤيدين للزرفي، فان امكانية نجاحه في نيل الثقة ستكون كبيرة اذا لم تكن مضمونة. اما ثوارالعراق فقد اعلنوا رفضهم للزرفي ببسالة، ليس انتصارا لامريكا او ايران، وانما كونه لا يتوفر على مواصفات الثوار في اختيار رئيس الوزراء، فهو غير مستقل ومشارك في العملية السياسية ومتهم بالفساد ويحمل الجنسية الامريكية.
لندع هؤلاء الاشرار يتصارعون حول المناصب والمغانم وخدمة المحتل. فهؤلاء الاشرار قد فقدوا الغيرة والشرف والاخلاق منذ ان قبلوا لعب دور العميل لقوى الاحتلال وتنفيذ مخططاته الغادرة، سواء كان المحتل امريكيا او ايرانيا . ولو لم يكن الامر كذلك، لبادرت هذه المليشيات الى اعادة النظر بمواقفها المخزية واهتمت قليلا، ولو من باب الخداع والتضليل، بمطالب الثوار ولبت جزءا منها، او على الاقل تكليف رئيس وزراء مستقل، لا ان تنصب جهود قادتها على عقد الاجتماعات لتكليف شخصية من بينهم تضمن لهم مكتسباتهم غير المشروعة، وتؤمن لهم الحماية من اية مسائلة قانونية. وقد اكد هذه الحقيقة ممثل عمار الحكيم في اللجنة السباعية احمد الفتلاوي بقوله ” ان المصالح الحزبية ادت الى خلافات أكبر من القدرة على حلها”. في حين قال النائب كاظم الصيادي”ان أداء اللجنة السباعية، المكلفة باختيار رئيس الوزراء مرتبك بسبب الخلاف على المناصب، وانهم مسيرون وليس مخيرون”. لكن لم يتجرا احدهم ويعترف بان صراعاتهم تدور حول تقاسم المناصب والمغانم وليس اختيار رئيس وزراء يخدم العراق وينقذه من محنته. فالمنصب في ظل العراق المحتل اصبح تجارة رابحة ومضمونة، يصل مردودها الى مئات الملايين من الدولارات، واحيانا الى عدة مليارات.
لقد اكدنا في مقال سابق، بان فشل محمد توفيق علاوي وسقوط حكومته قبل ان ترى النور، كان بمثابة شهادة وفاة للعملية السياسية، حيث تم اسقاطه ليس من قبل البرلمان المزور الذي هو عماد العملية السياسية، وانما سقط جراء تهديدات المليشيات المسلحة، واذا حدث وواجه عدنان الزرفي المصير نفسه، فان ذلك يعد بمثابة شهادة وفاة للعملية السياسية من قبل اطرافها انفسهم خاصة وان صراع الكتل والاحزاب لم يعد داخل البرلمان، كما يروجون، ظاهرة ديمقراطية صحية، والمحاصصة شراكة وطنية، بل هو الان، اي الصراع، خارج اطار برلمانهم، وخارج عمليتهم السياسية وعلى المكشوف. ومما يؤكد هذه الحقيقة لجوء هؤلاء الاشرار لعقد الاجتماعات المصيرية في البيوت وليس تحت قبة البرلمان المتهاوية. وهذا يعني ايضا، بان الصراع الامريكي الايراني حول الرئاسات الثلاثة سيجري علنا وفي وضح النهار وليس داخل الغرف المظلمة.
ما حدث وما قد يحدث، بصرف النظر عن النهايات السعيدة او المصادمات، سيمنح الثورة العراقية مزيدا من المشروعية من جهة، وسيدفع الناس الى نبذ اية مراهنة لاصلاح العملية السياسية من داخلها من جهة اخرى. كما ستعزل نهائيا القوى التي مارست الخداع والتضليل لاقناع الناس بوطنيتها، او معارضتها للعملية السياسية، مثل التيار الصدري وتابعه الحزب الشيوعي، او ما يسمى بالتيار المدني . حيث اكدت هذه العناوين وبطريقتها الخاصة على انتمائه بقوة لهذه العملية الاحتلالية. بل سيجتث الناس من عقولهم اي امل بالاصلاح على يد هذه الحكومة او تلك، او هذا الرئيس او ذاك. وستترسخ بالمقابل قناعتهم اكثر فاكثر، بصحة شعارات الثورة، التي حاول اعداؤها تصويرها على انها شعارات متشددة، او مبالغ فيه. فلقد اثبتت الوقائع والاحداث الجارية، سقوط هؤلاء الاشرار، السياسي والاخلاقي، وتثبيت عمالتهم للاجنبي من امريكان وايرانيين. ولو كان الامر غير ذلك لاستغلوا اندلاع الثورة العراقية، كفرصة ثمينة لتبيض ملفاتهم السوداء، او على الاقل تخفيف العقوبات عنهم، من خلال حماية المتظاهرين والاستجابة لبعض مطالبهم، واتخاذ خطوات سريعة لاجراء اصلاحات جزئية، وتقديم بعض التنازلات عن مكتسباتهم غير المشروعة، على امل اعادة الحياة للعملية السياسية، وربما انضمام قوى واحزاب اليها بدل محاربتها، او الوقوف ضدها.
اي متابع لما يجري في العراق، سواء من داخله او خارجه، لن يجد بعد الان صعوبة في الوصول الى قناعة، بان هذه العملية السياسية قد انتهى مفعولها، وان المليشيات المسلحة قد تحجم دورها، وان الفاسدين لن يتمكنوا مهما حاولوا توظيف امكاناتهام المادية والاعلامية واقلامهم الماجورة، من خداع الناس بامكانية القيام باصلاحات جدية، او تشكيل حكومة وطنية مستقلة، او عابرة للطائفية. بل لا نجازف اذا قلنا، بان العملية السياسية ماتت، وان اطرافها دون استثناء ستولي الادبار، جراء افتضاح سقوطها السياسي والاخلاقي، وهذا سيقرب الثوار من تحقيق انتصارهم النهائي. اما الذين يراهنون على امريكا ومرشحها عدنان الزرفي في انهاء الدور الايراني في العراق، او تصفية المليشيات المسلحة وانقاذ العراق من محنته لهو في ضلال مبين. اذ هناك احتمال بتحول وطني مهزوز الى عميل، لكن لا يمكن للعميل او الفاسد ان يتحول الى شخصية وطنية، ولا المحتل الى محرر.