يقال إن أول وزير لخارجية العراق عينه بول بريمر بعد احتلال البلاد سنة 2003 امتلك 250 رجل حماية، وهناك من قال إنهم 350 فردا، لكن مسؤولا إداريا في وزارة الخارجية اكد لي في حينه ان عددهم في البداية كان 250 فردا. لا اعرف عدد العجلات التي امتلكها ذلك الوزير أو الذي جاء من بعده، لكن مسؤولا آخر في بغداد قال لي مؤخرا ان وزير الخارجية الحالي ضعيف لأنه لا يمتلك حزبا او ميليشيا تدعمه، وربما لن تجد معه اكثر من 10-12 سيارة حماية. ما تقدم يدفعني الى المقارنة بعقد السبعينيات حين عين والدي وزيرا لخارجية العراق عام 1974 بعدما كان وكيلا للوزارة ذاتها. لم تخصص له الدولة في كلتا الحالتين سوى سيارة حكومية واحدة، ولم تكن لديه اي سيارة حماية. غني عن القول إن الاسرة لم تغير دارها بعد استيزار والدي، وبقي الوزير في داره كما هي منذ شيدتها الاسرة عام 1966- قبل تسلم حزب البعث مقاليد السلطة عام 1968 – حتى وفاته في مثل هذا اليوم من عام 1974. لم يقف امام دار وزير الخارجية اَي جندي حماية أو شرطي في اَي وقت من الأوقات، بيد أن التغيير الوحيد الذي طرأ بعد ان اصبح والدي وزيرا هو ان خصصت له الدولة مفوض امن يجلس بجانب السائق عندما يكون الوزير في مهمة رسمية. لم يحبذ والدي استخدام سيارة الدولة في المساء، وفضل التنقل بسيارته الشخصية نوع بيجو موديل 1971 – من دون حماية بطبيعة الحال – وبقيت معه تلك السيارة لحين وفاته. أما اذا ما تطلب الامر ذهاب والدتي في اية مناسبة تذكر، حينها يأتي سائق من الوزارة ليقلها بسيارة الاسرة الخاصة. أخيرا، كنت طالبا في السادس الإعدادي، عندما كان والدي وزيرا، وكانت مدرستي في منطقة الحيدر خانة في بداية شارع الرشيد. لم تخصص لي أو لشقيقاتي اللائي كن طالبات أية واسطة نقل رسمية او خاصة. كنت اذهب الى المدرسة واعود منها مستخدما حافلة نقل الركاب الحكومية الحمراء.
أظن اليوم أن قيما نبيلة كالزهد والتفاني والتضحية أملتها قوة ضمير ويقظة حملها العراقيون من جميع قوميات وطوائف العراق ممن عاشوا تلك الحقبة، واقصد منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، ساهمت في بناء بلد عظيم وشعب أعظم. لهذا السبب، ومنذ عرف العراقيون دولتهم الجديدة مطلع القرن الماضي، نادرا ما تسمع بأن رئيسا أو رئيس وزراء أو وزيرا قد اغتنى، على اختلاف توجهاتهم السياسية، ملكية كانت أم جمهورية، تقدمية كانت أم رجعية، يمينية كانت أم يسارية. لقد نهض العراق وأصبح قويا وذا مهابة بفضل تلك السجايا، لكن تلك الدولة وذلك الشعب العظيمين قتلا غيلة سنة 2003 ومثل بجثتيهما.
حماية وزير خارجية العراق العام 1974 بقلم نواف شاذل طاقه
آخر تحديث: