حول مؤتمر باريس، لمَ الرفض ولمَ القبول؟

حول مؤتمر باريس، لمَ الرفض ولمَ القبول؟
آخر تحديث:

 

  ابراهيم الزبيدي

حين يقال الحق، حتى لو أريد به الباطل، فهو الحق، مهما كره الكارهون. مناسبة هذا الكلام حملاتُ القذف والشتم والتخوين والتهديد التي هبت على مؤتمر المعارضة العراقية في باريس، من أطرافٍ عراقية وعربية متناقضة متحاصمة متعاركة جمَعَها، معا، خوفُها وكرهُها لمؤتمرٍ باريس، وهي التي تجاهلت واستصغرت مئات المؤتمرات السابقة التي عقدت في السنوات الأخيرة لمعارضة اللعبة السياسية العراقية التي شهد القاصي والداني بأنها فاشلة، وبأنها أساس خراب البصرة، وضياع الموصل، ودمار الفلوجة والرمادي، وإغراق شوارع العاصمة بالسواد.

ولا يعني هذا الكلام دفاعا عن مؤتمر باريس، ولا تزكية له من تبعيته لأطراف خارجية، دولية وإقليمية، توجه خطابَه، وتصوغ آلياته، وتحدد أهدافه وقراراته.

ولكن الذي عارض هذا المؤتمر (العميل)، اليوم، لم يعارضْ مؤتمرا (عميلا) مثله بالأمس. فكيف ينسى العراقيون والعرب والعالم أن مؤتمرات المعاضة العراقية السابقة التي أوصلت عرابيها وقادة أحزابها وتجمعاتها ومليشياتها وكتابها وخطباءها ووعاظها إلى القصر الجمهوري، وإلى مبنى رئاسة الوزراء، وإلى قبة البرلمان، وجعلت منهم، ومن أبنائهم وإخوتهم وأبناء أعمامهم وأبناء أخوالهم وأصهارهم وخدمهم وحراسهم، سفراءَ ومدراء وأصحابَ عمارات وشركات وطائرات خاصة ويُخوت مذهبة، بعد أن كانوا لاجئين يتقوتون بمساعدات دوائر الضمان الاجتماعي البريطانية والأمريكية والفرنسية، أو يتسكعون في مقاهي دمشق وعمان وبيروت، ويتسقطون عطايا مخابراتها التي استضافتهم بسبب قبولهم بالانضمام إلى صفوف المجندين لخدمتها، وليس بسبب معارضتهم لنظام صدام حسين، وحدها.

وحين كان السفير الأمريكي المعين لدى المعارضة العراقية السابقة (ريتشاردوني)، ومن بعده زلماي خليل زادة، يتولى صياغة الصغيرة والكبيرة من شؤون مؤتمراتهم، ويحمل حقيبة الدولارات التي ينفق منها على طعامهم وشرابهم، وترويج صورهم وأخبارهم، وحماية قادتهم الذين كانوا يتسابقون لتقبيل وجنتيه، أوعلى احتضانه بحبٍ وشوقٍ وامتنان، لم تكن أمريكا، يومها، تتآمر على العراق، ولا بريطانيا تعتدي على السيادة الوطنية، ولا فرنسا تهين العراقيين.

ودعوني أنقل هنا تصريحا قديما لحامد البياتي عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر المعارضة العراقية في لندن 2002، وممثل المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في بريطانيا والولايات المتحدة، أكد فيه لصحيفة (الشرق الأوسط) في عددها 11 ديسمبر/ كانون الأول 2002 العدد

8779 “أن قائمة الاسلاميين في المؤتمر تضم ما نسبته 40%، بينهم 33% من الاسلاميين الشيعة و7% من الاسلاميين السنة، وذلك استنادا الى النسب التي اعتمدت في مؤتمر صلاح الدين الذي عقد عام 1992 وانبثق عنه (المؤتمر الوطني العراقي الموحد)، ولا تراجع عنها».

وقال «لقد حددنا ثلاثة أهداف للمؤتمر، هي:

* الاتفاق على خطاب سياسي موحد للمعارضة العراقية بما يتناسب مع المرحلة الراهنة.

* رسم تصور لمستقبل العراق والمرحلة الانتقالية بعد تغيير النظام لحين اجراء انتخابات حرة وديمقراطية.

* الاتفاق على لجنة للمتابعة والتنسيق تقوم بمتابعة قرارات المؤتر”.

أما مآخذ شيعة السلطة الحالية القائمة في المنطقة الخضراء، وسنتُها أيضا، على مؤتمر باريس فتتلخص في أنه “تحركٌ أمريكي شبيه بالتحرك الذي حصل للإطاحة بنظام صدام حسين. فالشخصيات الأمريكية التي دعمت المعارضة العراقية السابقة ضد صدام، بالأمس، من 1991 وحتى 2003، هي ذاتها التي تدعم اليوم مؤتمر باريس، وتنظم شؤونه”.

ولكننا حين نتابع ما دار في مؤتمر باريس من مناقشات ومحاورات ومحاضرات وتصريحات لا نجد ما يوضح هويته وخطابه وأدبياته أفضل من نقطتين هامتين وردتا في تصريح للسناتور الجمهوري السابق ديفيد ويلدن، أحد المشاركين الرئيسيين في المؤتمر، حيث قال،

* إن “المُشرعين الأمريكيين صوتوا لصالح غزو العراق، بناءً على ما قُدم لنا من معلومات، وأعترف بأن تلك المعلومات كانت مضللة وخاطئة”. ومعلوم أنه يقصد أطرافا في المعارضة العراقية السابقة.

* إن “ما يجري في سوريا من أعمال مروعة هي نتيجة للوضع الكارثي في العراق الذي يعاني من الفساد والفوضى”.

أما السناتور الأمريكي السابق في إدارة بوش، جيرالد ويلر، فقد قال:

إن “خطر المليشيات في العراق وسوريا لا يقل عن خطر داعش، وهناك تجاهل لانتهاكاتها الخطيرة”.

فهل في هذا ما يخالف الحقيقة، ويباين الواقع المعاش؟ وإلا فما بالُ ساحاتِ العاصمة والمحافظات وشوارعِها تشتعل كل أسبوع، وكل يوم، وكل ساعة، بالتظاهرات والاعتصامات والهتاف العالي: (باسم الدين باقونا الحرامية)؟

إن ما قاله المشاركون في مؤتمر باريس هو الحق، بلحمه وشحمه، حتى لو أرادوا به الباطل. وإذا كانت أمريكا جادة، قولا وعملا، في احترام مؤتمر باريس وتوصياته وقرارته، فمعنى ذلك أنها اكتشفت، ولو متأخرا، سوء فعلتها بحق العراق والعراقيين، حين سلطت حفاة الأمس على مقدراتهم وكراماتهم وثرواتهم وأمنهم.

ويوحي أيضا، في القوت نفسه، بأنها تريد أن تمسح عن تاريخها ذلك العار، وتستغفر عن ذنبها ذاك، وتعوض العراقيين عما أصابهم منها من مصائب وكوارث وفواجع وخراب فتعاونهم على إزاحة كابوس الاحتلال الإيراني الطائفي العنصري الإرهابي عن صدورهم، وتُنهي عصر المليشيات، وتدع الشعب العراقي يختار حُكامه بحرية كاملة، ودون تدخل أو وصاية من أحد، كائنا من كان.

سؤال مهم وأخير. لو صدق عزم أمريكا، ومعها حلفاؤها، على فعل ما تريد في العراق، هل ستمنعها أحزاب المحاصصة ومليشياتها الهزيلة المبعثرة المتناحرة عن فعل ما تريد؟. ولو كان ذلك ممكنا لاستطاع صدام حسين، بجيوشه الجرارة المتماسكة، وبحزبه القوي وحرسه الجمهوري وفدائييه وأنصاره الكثيرين، أن يردعها، ويحمى نظامه من السقوط.

اللهم اشهد بأنني لست من أحبة مؤتمر باريس، ولا من خصومه، أجمعين.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *