حياة أو موت؟

حياة أو موت؟
آخر تحديث:

عبد الزهرة زكي

 كان ريلكه رومانسيا حينما أوصى أو نصح: لا تكتب الشعر إلا عندما تشعر أنك ستموت إذا لم تكتب .شيء من التصوف الشعري الذي يقدم نفسه بإهاب رومانسي حالم ما لم يجر فهم عبارة ريلكه بوصفها مجازا أقرب إلى الشعر منها إلى فتوى صوفية، إنه مجاز يفهم منه الإخلاص للشعر والصدق فيه، ولا أحسب أنه كان معنيا بالمجاز فيما يريد، كان يريد التأكيد على أن الموت هو الحد الآخر المقابل لحد الإخلاص وصدق تجربة الكتابة روحيا.يكتب الشاعر الشعر حين يحتاج إليه، إنما ليس كوسيلة لا بد منها لتفادي الموت. حتى في الحال التي يكون فيها الشعر وسيلة للعيش، فإنه لا يستحيل إلى غياب يهدد بالموت.لكن في تجارب الشعراء هناك من مات بسبب الشعر فعلا، حصل هذا حين كانت رؤى شاعر ما وحياته قد مضى بها الشعر والتفكر فيه باتجاهات تجد خاتمتها بالموت، انتحارا أو مرضا أو قتلا، ولم تحصل تلك النهايات التراجيدية بفعل استحالة كتابة الشعر. الشعر نفسه أبعد ما يكون عن مثل هذه التقييدات التي تضع المرء بين حدّي الموت والحياة. الشعر حاجة، بخلاف سواها من الحاجات، تؤمّن نفسها، أي أنه في اللحظة التي يكون فيها الشعر حاجةً فإنه (الشعر نفسه) يمتثل للشاعر للتعبير عن تلك الحاجة. بهذا يؤمّن الشعر الإخلاص له والصدق فيه. وحين يكف، لحينٍ أو دائما،عن أن يكون حاجة حقيقية يتوقف الشاعر عن الكتابة.بعد عقود كانت قد مضت على عبارة النمساوي الكوني ريلكه يأتي شاعر من ستينيات أميركا العابثة مثل فيرلنغيتي فيعيد صياغة العبارة بالقول: الشعر الأرفع يقول إنّه يمكن أن نموت بدونه. ليس من الصعب إعادة هذه العبارة إلى جذرها الريلكوي، انها مصاغة بطريقة مواربة بحيث تلمّح إلى مصدرها الريلكوي من دون أنت ذكره، لكنها تبدو الأنأى عن مفهوم ريلكه من حيث المراد. جفاف الحياة وتخشّب روحِها هما التعبير عن الموت بغياب الشعر، لكنه موت يظلّ افتراضيا، شكلا من الاحتمال الذي ننشغل به في حال اندحار الشعر عن حياتنا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *