حياتنا اليومية

حياتنا اليومية
آخر تحديث:

ياسين النصير
يكثر الحديث عن دور حياتنا اليومية، في الإنتاج المعرفي والثقافي والأقتصادي والإجتماعي، ويكا لايخلو ميدان من ميادين اشتغال الإنسان من مفهوم خاص للحياة اليومية. وكما يبدو أن اللفظ والمعنى لجملة الحياة اليومية يصل إلينا ببساطة،ونفهم ما يقال بصددها ببساطة أيضا، ولكن الحقيقة أن هذه الحياة اليومية من التعقيد والغموض والايهام، ما يجعل البساطة التي نتلقاها منها، مجرد وهم سطحي لما تعنيه حقيقتها. فما هي الحياة اليومية؟ ومم تتألف؟ وما هي دلالتها وهل هي نفسها عندما نعاينها بعين ثقافية، اقتصادية، سياسية، علمية، نفسية، اصطلاحية؟ لاشك سنجد أنفسنا أمام حقول اشتغال عديدة لها، مشاغل تدخل الفلسفة والشعر والفكر، والصناعة،والخيال المادي للأشياء، وفيها ما  يلغى وفيها ما يعاد إنتاجه، ثم أن هذه الحياة اليومية نافذة مشرعة على القديم والحديث معا، فهي شباك صيد بأعين صغيرة لا يعبر منها إلا الأسماك الصغيرة، بينما تستقر في أعماق شباكها الأسماك الكبيرة، كل شيء  قديم وإلى جواره شيء جديد  فمن خلال حراك الناس وانشغالهم وحواراتهم وطرائق عيشهم، تنمو أعشاب الحياة اليومية متغلغلة في البيوت والنفوس فارضة لغتها الجديدة، هي ذي الحياة التي نتشربها هواء وممارسة اجتماعية والعابا وعلاقات وتبادلات ومنافع ومشكلات، سيل من المعارف غير المفحوصة تتراكم أمامنا ومن بين ايدينا معلنة على النشاط الروحي والجسدي، عن الناس الأحياء والأموات كيف يفكرون وكيف ينتجون وكيف يعملون، فمبثل هذا التفكير البسيط نكون قد رسمنا خطوطا عامة لليومي فيها وللأمس الذي مر عليها، وللغد الذي يتشكل من آنيتها، هذه التركيبة هي عملنا على سطح الحياة اليومية، أو هي قشرتها التي تباشرنا وجودا وتفكيرا،وممارسة، وتقنية، بحيث يمكن احتسابها بالساعات والدقائق مصحوبة باحلام الليلة الماضية، واحلام يقظة التأملات الشاردة، ومع ذلك فما يباشرنا من الحياة اليومية ليس إلا سطحها.
ومع ذلك ثمة وجوه أخرى للحياة اليومية، الوجة الذي غادرنا ومضى وما يزال مؤثرا وقائما في الآنية، ليس هو الوجه الذي يستقر في ممارساتنا الثقافية، فما  نتأمله ونشتغل لتحقيقه ونضعه نصب أعيننا ونهيئه للغد الذي لا يظهر هو وجه تفاعلنا اليومي مع حيوات أخرى بما فيها حيوات النبات والكائنات الحية وتصوراتنا عنها والمخيلة المشحونة برغبات الاستخواذ عليها، الوجه الذي يستوقفنا للتأمل هو الذي يتحول إلى لغة. هذه الوجوه ثمة منبع خفي يمدها بالديمومة، كما لو كان حلما لم ينته، حلما لسفر دائم في متاهات لا نعرف ابعادها إلا بكونه ماء يجري، وهواء نتنفس، ورياحًا نتلامس، ونيرانا دواخلنا، وثمة ما يثقل علينا منها، أو ما يخفف من أحزاننا، هي الحياة اليومية المليئة بالشاذ والنادر،والعابر، والعادي تستحضر كلها ساعة التفكير بكتابة قصيدة أو بلقاء حميمي مع امرأة. 
وثمة سطح للحياة اليومية أو مجرى لنهرها المعاش، وهو ما نتعامل ونتعايش فيه، هو هذا الذي يغيره الضوء والنور والظلمة والعتمة، هو مجموعة الأخطاء والصواب التي ترافقنا في المماشي ومحطات الوقوف. وثمة مصب يستقبل أوحال الحياة اليومة ومهملاتها وهوامشها والفائض الذي لا تستطيع المجاري احتواؤه ،أو ذلك الشيء الذي لا  يمكن العودة به إلى الأصول، فالحياة اليومية شجرة مثمرة حتى بدون ثمر،إذا فكرت أنها تسير بخطوط مستقيمة أو عمودية أو دائرية، اتية إليك لتنتهي في القبر، ستكون حياة ساكنة، ومن السهولة تصور مسارها، ولكن إذا أتتك تتدفق فيها الأشكال الهندسية غير المألوفة، تصبح الحياة موضع اسئلة وهو ما ينشد الشاعر في خفقات قلبه المضيء، وحقيقة الأمر ليست الحياة اليومية إلا اشكالية بحد ذاتها، فما نعنيه ليست خطوطها ومصادرها وأزمنتها، وأفاقها وحاضرها، فمثل هذه المعرفة جزئية بسيطة، فالمعرفة الكلية عائمة، كجبل الجليد، عائمة تحت أجسادنا وافكارنا، وما يفكر الآخرون في استغلالنا والكيفية التي تتولد فيها الأفكار والمهمات التي تجعلنا جزءا من مجتمع متحرك، فالحياة اليومية تحتوي الفلسفات ونظرياتها، تلك التي تتصل بالأديان المحتلفة وما يتبعها من ثقافة وتصورات على الواقع والغيب والمضمر والمستحيل والغائب والحاضر، وأحيانا يعجز التفكير من ان هذه الحياة تعجز كل الفلسفات عن استعابها لأنها ما وجدت إلا لتوليد الأسئلة ، حياة ما عبارة عن سجل مفتوح يدون ما مر وما سوف يمر.
وللبساطة التي تتطلبها مقالة قصيرة عن الحياة اليومية نقول أنها بحاجة إلى أن نفهم من خلالها معنى العدالة والحقوق، معنى الحرية، ومعنى التاريخ،ومعنى الأخر، والغير، ومعنى الشخص والشخصية، ومعنى المنهج الحياتي والفكري،ومعنى المعايير التي نقول عبرها عن هذا الشيء علمي او غير علمي، ومعنى الاختلاف بين الأفكار والرؤى، ومعنى الوعي و اللاوعي،، ثم معنى الحداثة، ومعنى المجتمع، ومعنى الإنسان، ومعني الدين، ومعاني اخرى تتصل بالسوق والبضاعة والنقد والتداول والطرق وبناء المدينة وتكوين العلاقات وتأسيس الأفكار.. وكيف يمكننا القول بأننا نعيش أو لا نعيش. كل هذه الترسيمة للحقول التي نبدو بعيدين عنها، نجدها تتمظهر يوميا من خلال افعالنا وما نفكر به وما نمارسه وما يجسده ذهننا من تصورات عبر حواسنا. فالحياة اليومية محيط لا يعرف بضفاف ولا بسبل موصلة إليه، فكل مسار فيه هو ميدان للمجهولية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *