فارس الحمداني
السؤال الذي نطرحه الان هل يكفي ان تكون الحكومة متبصرة بمواطن الخلل في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الخدمية في البلد ام لابد ان تكون للحكومة استراتيجية واضحة لمعالجة تلكالمواطن وتمتلك رؤية مستقبلية للتنبؤ بما قد يحصل من متغيرات عالمية تكون لها تأثيرات على الحياة الاقتصادية للبلد اضافة الى المخاطر الاجتماعية والتهديدات الامنية التي قد تطال كيان الدولة.
هل ان ادارة الدولة تعني عند هذه الطبقة التي تسلقت رقاب الشعب العراقي منذ عام 2003 ولحد الان ان تقوم فقط بتوزيع ايرادات النفط الضخمة التي كانت تجنيها مع الارتفاعات الفلكية لسعر النفط العالمي على بنود الموازنة العامة للدولة كما يقوم رب الاسرة بتوزيع دخله الشهري على متطلبات معيشة اسرته ، او صاحب متجر يديم ارباحه السنوية، لو كانت الامور كذلك فما ايسر قيادة الدول وما ايسر اختيار الوزراء ، ولكن مصيبة العراقيين ان الطبقة الحاكمة في العراق منذ 2003 وعلى الاخص فترتي حكومة المالكي التي استمرت ثمان سنوات والتي لا تزال هيمنتها مستمرة على حكومة العبادي الحالية ، تنتهج منهجية رب الاسرة واصحاب المتاجر و الدكاكين في توزيع الدخل وليست منهجية ادارة دولة.
ففي عهد المالكي كانت ايرادات الدولة النفطية قادرة بافتراض وجود قيادة كفؤة بناءة لدولة مؤسسات واقتصاد متين ان تبني عراقا قويا لا يترنح مع اول عاصفة تعترضه ، ولكن اثبتت الوقائع و المعطيات ان المالكي وجوقته التي سيرت الامور معه لا يتعدون كونهم يحملون افكار اصحاب الدكاكين في ادارة العراق لما يقرب عقد من الزمن ، والا فاين القيادة واين الرؤية المستقبلية لبلد كانت تتجاوز ميزانيته السنوية المائة مليار دولار لسنوات عديدة ، وميادين التعاون مفتوحة على مصراعيها مع جميع الدول الكبرى والنامية فلا حصار ولا قرارات اممية ولا عقوبات دولية .. ومع كل هذه الامتيازات التاريخية التي كانت امام قيادات الدكاكين انظروا الى حصاد هذا العقد .. تشوهات هيكلية في الاقتصاد العراقي لم يشهد لها مثيل في اية فترة من فترات العصر الحديث ، ونسبة فقر لم يصلها العراقيون حتى في وقت الحصار الاقتصادي ، وانحدار تام في الامن الغذائي نتيجة انهيار القطاع الزراعي ، وانمحى من القاموس الاقتصادي اسم القطاع الصناعي في العراق ، ومجتمعيا انقسم العراقيون الى طوائف تستبيح الواحدة الاخرى ، وانتشرت العصابات والمليشيات المسلحة والتي باتت تفرض قوانينها الخاصة بعد اضمحلال دور الدولة الحقيقي ، وغياب دور القضاء النزيه وخضوعه لإرادات الاحزاب والمليشيات المتنفذة.
المهم ان السيد المالكي وحسب ما تقضيه نظرية قيادة الدكاكين استطاع ان يحكم سيطرته على المفاصل الرئيسة التي يستطيع من خلالها ان يحكم قبضته على مقدرات البلد وان لم يكن الرجل الاول في سلم القيادة الان ، فهو وفي خطوة لم يسبقه فيه الاوليين والاخريين احكم قبضته على البنك المركزي العراقي من خلال تولي اعلى مسؤول في الرقابة المالية لأعلى مسؤولية في البنك المركزي وهكذا فقدت المليارات من الدولارات ولا من رقيب ولا حسيب، وهكذا فهو ضمن الخزانة العراقية كلها.
وبالمقابل احكم سيطرة رجالاته واذنابه على مفوضية الانتخابات التي من المعيب ان نطلق عليها بالمستقلة ليضمن فوزا ساحقا في اية انتخابات برلمانية وان كان الشعب كله يمجه ويرفضه ولكن الصناديق ستفرز فوزا ساحقا له ولكتلته ، والدليل ان العبادي وفرقعات التغيير و الاصلاحات المزعومة والتي من خلالها تم اعفاء وكلاء وزارات مهمة ولكنه ابقى على تسعة وكلاء وزارة في مفوضية الانتخابات على الرغم من انتفاء الحاجة الى خدماتهم ولا عمل لهم الا الحصول على الامتيازات المالية الضخمة والحمايات والإفادات المستمرة الى الخارج بذرائع شتى في وقت تقوم الحكومة بالاستقطاعات المتكررة من المتقاعدين البسطاء وصغار موظفي الدولة ، لان المساس بمفوضية الانتخابات سيغضب القائد الضرورة
وعليه فان السؤال يطرح على سيادة رئيس الوزراء الى اين انت ذاهب ؟؟ هل تذهب لتعميق نظرية قيادة الدكاكين … ام بناء دولة مؤسساتية تعالج كل هذه الاختلالات و التشوهات وهذا النهب و السلب والهدر لمقدرات هذا البلد العظيم وانعدام الامن و الامان والعدل فيه ؟؟؟ المؤشرات الحالية و المعطيات على ارض الواقع لحد الان تشير انك من معجبي نظرية قيادة الدكاكين التي قاده سلفك الذي تنتمي الى نفس كتلته وحزبه اما خوفا من بطشه او طمعا في نيل مرضاته … ام نكون مخطئين وتفاجئ ابناء شعبك بالانقلاب على هذه المفاهيم الخاطئة و المدمرة وتنحاز لبلدك وابناء شعبك بدل ان تنحاز لكتلتك وحزبك .. والشعب كله بانتظار جوابك خلال فترة وجيزة لان الوقت قد نفد .. وازفت الآزفة .