أمور عديدة توحد بين الخليفة (السني) رجب أردوغان والخليفة (الشيعي) علي خامنئي.وأمورٌ عديدة أخرى، أيضا، تفرق بينهما، وتجعلهما خصمين لدودين يسعى كل منهما إلى الفتك بعدوه، رغم أن كلا منهما مضطر لمناصرة الآخر، أحيانا، حين يكون الخطر الذي يهدد وجودهما واحدا، أياً كان دينُه وجنسه وطائفته، داخليا كان أو خارجياً، سواء بسواء.
فالمعروف أن العنصرية القومية هي المُفرِّق بينهما، والمُشعل لنيران الحروب الدامية بين الفرس والعثمانيين التي كانت تدوم طويلا، ثم تنتهي بخسارة أحد المتقاتليْن، وباحتلال بلاده وإذلال شعبه لعشرات أو مئات السنين.
ويخبرنا التاريخ بأن المذهب، في جميع تلك الحروب القومية العنصرية بينهما، كان هو الغلافَ المفضل الظاهري الذي كان يغطي به أجدادُهما تلك الحروب.ثم مرت على المنطقة مئاتٌ من السنين، من أيام دولة الخلافة الإسلامية الأولى والدولة الأموية ثم العباسية، دون أن يستطيع الدين الواحد أن يذيب العداوة القومية والمذهبيةبين الفرس المسلمين، والترك المسلمين، إذ كانت المشاحنات والمعاكسات والمناوشات والمؤامرات لا تتوقف بين الفريقين.
وحين حوَّل اسماعيل الصفوي إيران من المذهب السني إلى الشيعي في العام 1501 (م)أصبح العداء علنيا ومسلحا بين الدولتين، خصوصا بعد قيام الصفوي باحتلال غرب إيران وأذربيجان وأرمينيا وأجزاءٍ أخرى من أملاك الدولة العثانية التي أسسها عثمان الأول سنة 1299.
ومنذ سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وانتهاء احتلالها لللبلاد العربية والإسلامية ومنها إيران، والحكومات الإيرانية المتعاقبة والحكومات التركية المتتابعة في صراع وخلاف واحتراب معلن، أحيانا، ومَخفيٍّ أحيانا أخرى.
من هذا السرد التاريخي المختصر يمكن القول إن الولي الفقيه الإيراني علي خامنئي والسلطان العثماني رجب أردوغان، وهما المختلفان مذهبيا وعنصريا ومصلحيا، في الوقت نفسه، متشابهان في أمور عديدة منها،
أنهما الوريثان المخلصان لذلك التاريخ الغارق في الدم، والطامحان المُستقتِلان من أجل إعادة الزمن إلى الوراء، وإحياء امبراطورية الآباء والأجداد، بقوة وإصرار، وأن كلا منهما يريد أن يقضي على الآخر ليصبح هو وحده خليفة المسلمين، وأن كلا منهما، أيضا، يسعى لقضم نفس الفريسة وضمها لأملاك امبراطوريته الوليدة، والمتمثلة في دول المنطقة العربية، سوريا والعراق ولبنان ومصر وليبيا واليمن وفلسطين. وما حدث في سوريا بين الخصمين الحليفين من معارك دامية، بواسطة وكلائهما وعملائهما وجواسيسهما، شاهدٌ على ذلك.
ولكن الملاحظ أنهما، رغم كل ما يختزنه كلٌ منهما من ضغينة وبغضاء لصاحبه، يلتقيان ويتعاونان ويتحالفان حين تحكم المصالح العاجلة.
ألا تراهما صديقين أليفين يلتقيان في الدوحة ويتحالفان مع الريال القطري ومع الإخوان المسلمين والقاعدة والدواعش ضد أعدائمهما في العراق وسوريا ومصر واليمن والخليج العربي ولبنان؟.
والذي يشترك فيه كلاهما، ويوحد بينهما، هو عمى بصرهما وبصيرتهما الذي يصور لهما أن أحتضان الفاشلين والمكروهين والفاسدين، وتسليحهم وتمويلهم والمراهنة عليهم هو الذي سوف يعينهم على احتلال الدول الآمنة، ونهب خيراتها، وإذلال شعوبها.
فالخليفة الإيراني متخصص في احتضان الإرهابيين، شيعةً وسنة، وفي حمايةتجمعاتهم وأحزابهم ومليشياتهم المتمرسة في القتل والحرق والاغتيال والاختلاس، في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين، حتى وهو يعلم علم اليقين بأنهم مكروهون من العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والفلسطينيين.
وثوراتُ الجماهير الغاضبة في العراق ولبنان وسوريا واليمن دليلٌ على أن وكلاءه، بفسادهم وفشلهم وجرائمهم، تحولوا إلى سبب اشتعال غضب الجماهير، لا عليهم فقط، بل على وليّهم نفسه، قبل سواه.
ورغم هزائمه في الخارج، ومآزقه في الداخل، ما زال يراهن على الخيول الخسرانة ذاتها، ويخسر الرهان.
وأردوغان هو الآخر، كالولي الفقيه، خبير وشاطر في صناعة الأعداء والحاقدين. فها هو من هزيمة إلى هزيمة، في الداخل والخارج، معا، ولا يتّعض ولا يعتدل ولا يراجع نفسه قبل فوات الأوان.
فقد راهن بالأمس على الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والعراق وفلسطين، وأنفق عليهم أطنانا من أموال الشعب التركي، ثم سقطوا وسقط معهم في مصر وفي سوريا والعراق وفلسطين.
وها هو اليوم يقفز عبر البحار البعيدة ليحمي هياكل آيلة للسقوط في ليبيا، متوهما بأنه قادر على أن يحيي العظام وهي رميم، وبأنه سيَنصُر عصابات الإرهاب الإسلامي على شعبها، ويعينها على حكم ليبيا، طمعا في خيراتها، ورغبة في محاصرة مصر وإسقاطها، والقفز منها إلى دول جوارها، تماما كما فعل حليفه الإيراني حين أراد الالتفاف على السعودية بتحريك وكلائه الحوثيين.، وكما احتل العراق وجعله قاعدة لانطلاقه نحو سوريا ولبنان وفلسطين.
وكما كانت النتيجة في اليمن والعراق ولبنان للخليفة الشيعي فسوف تكون هي نفسَها للخليفة السني في ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين.
إنهما لا يقرآن التاريخ ولا يتأملان الجغرافيا، ولا يريدان أن يتعلما من النكسات والاحتقانات والثورات المعاكسة التي تشتعل ضدهما في الخارج، وفي عقر دار كلٍمنهما.
لقد أعمى غرور القوة كليهما كما أصاب حكاما مجانين، قبلهما، كثيرين كانتنفوسهم مريضة، وشخصياتهم ضعيفة، ولا يعرفون ماذا تفعل الشعوب بظالميها ومُجوعيها إذا ما فاض كيلها، وعيل صبرها والأمثلة كثيرة ولا تعد.