محمد حسن الساعدي
ما يميز العراق عن باقي الدول بانه بلد المكونات والمذاهب والأديان ، وعلى مدى عشرات القرون تمثّل هذا التميّز بالتعايش السلمي بين جميع المكونات والمذاهب ، وربما كانت السمة او الحس المذهبي خافت قليلا لأسباب كثيرة لا يسع المجال لذكرها ، ولكن يمكننا ان نركز على ان الشعب العراقي تعايش بين مكوناته دون الوقوف على اللون او الانتماء المذهبي او القومي ، فكانت هناك انساب وأسباب بين الشيعة والسنة ، وكانت معظم العشائر العربية مشتركة بينهما السنة والشيعة كعشائر ( الجبور والدليم والجنابات ) وغيرها من عشائر اختلطت الدماء بين ان يكونوا شيعة او سنة بحسب البيئة التي كانت تسود مناطقهم او الحب والانتماء لشيعة اهل البيت (ع)، لهذا نجد ان هذه الشعائر تعيش مجتمعة في أماكن متفرقة من البلاد ، ورغم الخلاف المذهبي الا انهم يرتبطون عشائرياً ، وبين روابط المصاهرة وتسلسل الأنساب واضحاً تماماً ، بل نجد ان هناك علاقات تربط الكثير من العشائر السنية بالعشائر الشيعية من خلال الزواج والمصاهرة ، وبهذا يرتبط السني بالشيعي بتسلسل نسبي لا ينقطع الى يوم القيامة .
بعد احداث التسعينات والانتفاضة الشعبية التي نهضت في الجنوب والوسط وبغداد ، وإسقاط حكومة البعث في هذه المدن ، تصاعدت حدة الشحن الطائفي ، فأصبحت لغة ومفهوم (الشروگية ) يرتبط كثيرا (بالغوغائية ) ، وهذا ما لمسناه فعلا في طريق التعامل البعثي مع هذه الانتفاضة والتي استخدم فيها ابشع انواع التنكيل والتعذيب والانتقام ، حتى اصبح صدام وحزبه مثالاً جيداً في انتقام الحاكم من شعبه .
وجاء يوم إسقاط الظالم ، والذي جاء بوسائل من هم اظلم منه. ( الأميركان ) الذين دخلوا بغداد وهم يحملون رايات التحرير ، والتي تغيرت لتصبح رايات الاحتلال ليدخل العراق مرك ثانية مرحلة جديدة من التاريخ الحديث ، يرسمه الأمريكان لينسخ بذلك النسخة السابقة للبريطانيين .
اليوم الأحداث في العراق بدأت تتسارع ، خصوصا مع دخول “داعش ” الى الموصل واعتقاد البعض ان هذه العصابات الاجرامية ستكون المنقذ من تسلط الحكومة الشيعية الظالمة ، وتسلط الجيش الصفوي الطائفي ، والحلم بعودة المعادلة السابقة ، ولكن بعد شهرين تفاجأ الجميع ان الخريطة تغييرت ، وتغيرت الأهداف فأصبح جهاد النكاح و ختان البنات ، وجلد المدخن في شهر رمضان ، وغلق محلات الحلاقة ، وتفجير قبور الأنبياء الذين كانوا وجاءوا حتى قبل ولادة النبي الاكرم (ص) ، ومجيء الاسلام ، فهدمت الأضرحة ، ونسفت القباب والمآذن ، من غير ان نفهم لماذا ولمن مصلحة من تهدم الحضارة والتاريخ ؟!!!
ربما الموصل لم يكن موعد سقوطها هو دخول داعش اليها ، بل هو اعلان قيام دولة الدواعش ، لان هذه العصابات كانت مرتع طبيعي في الموصل وأقضيتها ، وكانت تؤخذ الاتاوات من معابر نقل البضائع ، والسيطرات ، وتحت عيون ومسمع الحكومة المحلية ، فأصبحت الموصل مرتع للارهابيين والقتلة والدواعش ، ووجهت أصابع الاتهام الى السنة العرب الذين وفّر البعض منهم حواضن كبيرة وكثيرة لهذه العصابات الاجرامية القادمة من الخارج ، كما ان قيادات البعث والمخابرات والاجهزة الأمنية لنظام البعث هي الاخرى وجدت نفسها مع أهداف وطموحات الغريب القادم من قطر والسعودية وافغانستان والدول الأوربية الاخرى ليقتل ويذبح بالعراقي ، وتوفر لهذه العصابات الملاذ الامن والتحرك تحت حماية ورعاية هذه الحواضن .
وهنا نتساءل هل العرب يحبون السنة العراقيين اكثر من اخوانهم العراقيين ؟!
من خلال هذه القراءة البسيطة لمجمل الواقع السني في العراق نستطيع ان نضع بعض الخيارات المفترضة للسنة العرب في العراق وفق قراءه ما يجري على الارض وسقوط المدن السنية بيد “داعش ” وتوفر الملاذ والحاضنة لهذه المجاميع الإرهابية تحت عنوانين ثلاث :-
الخيار الاول :
العيش في داخل البيئة المستقلة ، والتي يمكن التعبير عنها “المنطقة السنية ” ، اي الانفصال عن العراق في مناطق سنية تمتد من الموصل شمالاً وحتى النخيب غربا ، وهذا الامر ضعيف التحقق ، خصوصاً اذا علمنا ان الجيران هم الأكراد “اقليم كردستان” والمناطق الشيعية الممتدة من ديالى شمالاً وحتى ام قصر جنوباً ، وصعوبة تحقق مثل هذا الامر مع وجود هذه الإحاطات من الشمال والجنوب ، مع زيادة الاحتكاك بين هذه التقسيمات ، خصوصاً مع وجود التشنج بين هذه المكونات ، وانعدام الثروات الطبيعية التي تساعد في تأهيل مدنهم وإعمارها .
الخيار الثاني ؛
التصاق هذه المحافظات مع الدول المجاورة ، مع ضمان الدعم لها من هذه الدول ، فتكون الرمادي محمية للسعودية ، وصلاح الدين تذهب الى الاْردن ، والموصل تلتصق بشمال سوريا بعد إسقاط نظام الأسد ، وهكذا يكون هناك انفصال للمحافظات السنية مع هذه الدول ووفق رؤية معدة سابقا في دهاليز مخابرات الدول المجاورة ، خصوصاً وكما قلنا سابقا توفر الملاذات والحواضن والبيئة المشجعة لقيام هذا المشروع .
الخيار الثالث ؛
خيار التعايش السلمي ووفق مبدأ الحقوق والواجبات ، ودعونا هنا نقف عند الحقوق المشروعة للمحافظات التي كانت تعاني تهميشاً ، وأقصاءاً واضحاً ، كما ان بعض قيادات الجيش في تلك المناطق أساءوا كثيرا لمفهوم التعايش السلمي بين المكونات ، من خلال الضغط الكبير على ابناء وعشائر تلك المناطق ، وضياع اي فرصة للتقارب بين سكان تلك المناطق وبين الجيش العراقي الذين من المفترض ان يكونوا حماة هذا الشعب وليس إذلاله ، وهذا ما جنيناه من سياسات هوجاء لحكومات احرقت العراق ك وضيعت الحقوق والواجبات آخرها تسليم محافظات العراق بيد الدواعش .
اعتقد ان هناك فرصة ذهبية قائمة خصوصاً مع الجهود المبذولة من الحكومة من اجل عقد مؤتمر وطني للمصالحة الوطنية ، والوقوف بجدية عالية من اجل إنجاح هذا الموتمر ، واشاعة الثقة بين مكونات الشعب العراقي (سنة وشيعة )
وعودة العراق الى اللحمة الوطنية ، والوقوف بوجه داعش وطردها خارج البلاد .
كما ان على العشائر في الانبار والموصل وصلاح الدين واجب وطني في الدفاع عن مدنهم وطرد هذه العصابات التي عاثت فسادا وتخريباً ، والبدء بصفحة جديدة في العلاقات بين ابناء البلد الواحد ، فهذه مرجعية الشيعة وعلى لسان المرجع الديني الاعلى للطائفة وهو يقول “لا تقولوا اخواننا ، بل قولوا السنة أنفسنا ” لننطلق من هذه المقولة والتأسيس لتعايش سلمي بين ابناء البلد الواحد .
اعتقد ان العشائر العربية في الانبار او الموصل او صلاح الدين هي مستعدة اكثر من اي وقت مضى ، خصوصا مع ما وقع عليها من ظلم وقتل لأبناءها من عصابات داعش التكفيرية ، وما تحتاجه هذه العشائر ما هو الا “جدحة ” مع تقديم الدعم المطلوب من عدة وعتاد وسلاح ، وتوفير الدعم اللوجستي اللازم من اجل الوقوف مع ابناء القوات المسلحة بوجه هذه العصابات وطردها من المدن السنية ، كل هذا يأتي بالاتساق مع احياء دور المصالحة الوطنية بين جميع المكونات العراقية ، دون الوقوف والمصالحة مع الإرهابيين والقتلة الدين اوغلواقتلا وذبحاً بدماء الشعب الجريح .