ابراهيم الزبيدي
أصبح من المسلم به والثابت فكريا ودينيا وسياسيا أن أساس العقيدة الدينية التي ترتكز إليها الحركات الفكرية السلفية والتكفيرية، ومنها تنظيم القاعدة وداعش ودولة ولاية الفقيه هو التفويض الإلهي الممنوح لأمير الجماعة، رغم أن أغلب قادة هذه الحركات لم يتولوا الإمارة بالوراثة أو بالبيعة (التطوعية) الحرة المباشرة التي تمنحها الأمة لمن تختاره، بحرية وعفوية، وليس بقوة السلاح القاهرة .
وفيما يخص الفكر الداعشي (السني) لا شك في أنه يقوم على أساس التفويض الإلهي الممنوح للخليفة البغدادي الذي أعلن نفسه أميرا للمؤمنين، وطلب البيعة، وذبحت عناصره المسلحة جميع الذين تأخروا عنها، أو رفضوا إعطاءها.
وفي الطرف الآخر قام الفكر الخميني (الشيعي) على نفس أساس التفويض الإلهي، بقوة السلاح أيضا، وبادعاء النيابة عن الإمام الغائب، آخر نواب رسول الله، والذي نصب الخميني نفسه (وليا فقيها) ينوب عنه، وجاء بعده وريثه علي خامنئي، وأحلت الدولة (الإلهية) قتل من يعارضها أو يرفض إعطاءها البيعة. فالخلافتان، والحالة هذه، تنطلقان من مبدأ فرض العقيدة الواحدة بالعنف والإرهاب والجريمة.
ففي الفكر الداعشي (السني)، وضمن إطار التفويض الإلهي، يملك (الخليفة) إمامة المؤمنين وحق تقرير حدود الله، وفق ما يراه، ورسم أساسات الدولة، ووضع قوانينها و تثبيت شرائعها، وحمايتها ومحاربة أعدائها، وحق أخذ الجزية، وحق السبي والاغتصاب، وتجارة الرقيق. أما أتباع الديانات الأخرى فيرى خليفة داعش أنهم مشركون وكفرة، لأن صلاحية أديانهم قد انتهت يوم أكمل الله لعباده دينهم، ورضي لهم الإسلام دينا. وعليه فإن للخليفة حقا مطلقا في التصرف برقابهم وأموالهم. وله أن يعفو ويكتفي بالجزية، أو يستعبد رجالهم، ويسبي نساءهم، ويغتصب من يختار منهن، هو وقادة جيوشه، ويبيع من تتبقى منهن جواري.
ولـ (الخليفة الشيعي) أمارة المؤمنين أيضا، وله نفس الحق ونفس الصلاحيات في حق تقرير حدود الله، ورسم أساسات الدولة ووضع قوانينها و تثبيت شرائعها، وحمايتها ومحاربة أعدائها، وحق أخذ الجزية، وحق السبي والاغتصاب، وتجارة الرقيق، وإن اختلفت الأساليب التطبيقية والاجتهادات بين الخليفتين، في العقاب والثواب ودرجة العنف والترويج للذبح والدفن الجماعي.
ومن يدقق في سياسات الخليفة (الخميني) في معاملة غير المسلمين، وحتى المسلمين غير الشيعة، في إيران ذاتها وفي الدول التي أصبحت من مستعمراته، يتبين له أن داعش ليس المخترع الأول لسياسة ذبح الكفرة، أو المرتدين، أو الذين يرفضون البيعة. ولكن الفرق الوحيد بينهما هوأن داعش يذبح بالسكاكين، ووكلاء الولي الفقيه يذبحون بالمفخخات وبأعواد المشانق وبالرجم بالحجارة حتى الموت.
إذن فلا ينبغي أن يحار أحد منا في فهم أسرار العطف الإيراني السخي على قادة القاعدة، وتأمين الملاذ الآمن لهم ولعوائلهم، ومنهم من انشق عنها وشارك في توليد داعش، وتطوع للجهاد تحت راية أمير المؤمنين الجديد.
وإلى أمد قريب ظل قادة الحرس الثوري في سوريا وحزب الله والمليشيات الشيعية المحاربة مع نظام الأسد حريصين على الحفاظ على رباط (الأخوة في الجهاد) بين داعش السنية وولاية الفقيه الشيعية، وعلى عدم الاحتراب بين قوات الخليفتين، رغم ظهور بعض الفروقات والاختلافات بينهما في بعض المفاصل من عقيدتيهما، وتفسيراتهما لبعض آيات القرآن وبعض الأحاديث.
وما عدا ذلك فليس هناك فروق كبيرة بين الخلافتين. فأتباع (هذه) يغزون بلادا ليست بلادهم، ويستعبدون أهلها ويرفعون على جبالها وتلالها راياتهم السود. وأتباع (تلك)، أيضا، يغزون بلادا ليست بلادهم، ويستعبدون أهلها، ويرفعون في شوارعها ومؤسساتها راياتهم السود.
لكن الأول يعتمد على (ذباحين) متمرسين في الذبح والحرق والاغتصاب والدفن الجماعي، علنا ودون خوف أو حياء، ويعتمد الثاني، أيضا، على حرسه الثوري العلني أو المستتر أو المختلط بفرق وتنظيمات مسلحة من أبناء الدولة التي يستعمرها، تقتل وتحرق وتغتصب وتدفن جماعيا، نيابة عنه وباسمه ولحسابه وبدعمه وتمويله وتسليحه ورعايته الثابتة، علنا ودون خوف أو حياء، كذلك.
لكن (جهاد) الداعشيين السنة (التذبيحي) معروف ومنشور على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، لا يستحون منه، بل يباهون به، يرهبون به عدوهم وعدو الله.
أما (جهاد) الداعشيين الشيعة فأخباره المرعبة كانت معروفة لدى كل منزل عراقي وسوري وبحريني ولبناني وفلسطيني ويمني دخلته بندقية أو مفخخة أو مفرزة اغتيال من إرساليات الخليفة الشيعي الذي يسمونه الولي الفقيه.
ولكن العالم (المتحضر) الباكي اللاطم على حقوق الإنسان كان يرى إرهاب السنة فقط، ويندد به ويستنكره ويندى له جبينه. ولكنه ظل سنين طويلة يُغمض عينيه، ويضع يديه في أذنيه، لئلا يرى أو يسمع شيئا عن الإرهاب الشيعي، خوفا على مصير العلاقة النووية مع إيران، أو تفاديا لنفور محتمل مع بوتين ولافيروف.
إلا أن منظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة أفاقت أخيرا لتعلن ما كان معلنا من سنين.
تقول منظمة العفو الدولية في بيان صدر مؤخرا إنها ” تملك أدلة على أن ميليشيات شيعية قامت بارتكاب عشرات عمليات القتل بحق سنة في العراق، وهي تعتبرإعدامات عشوائية. وأضافت أن مجموعات شيعية مسلحة تقوم أيضًا بعمليات خطف (مواطنين مدنيين) سنة تفرض على عائلاتهم دفع عشرات الآلاف من الدولارات لإطلاق سراحهم”. ” وبالرغم من دفع هذه الفدية فان العديد من الاشخاص ما زالوا معتقلين، بل إن بعضهم قتل”.
وقالت دوناتيلا روفيرا، مستشارة المنظمة لأوضاع الأزمة ” إن مباركة الحكومة العراقية لهذه الميليشيات التي تقوم باستمرار بمثل هذه التجاوزات تعطي موافقتها على جرائم حرب، وتغذي حلقة خطيرة من العنف الطائفي”.
وقالت المنظمة أيضا ” إن الميليشيات الشيعية تستخدم الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية بمثابة حجة لشن هجمات انتقامية ضد السنة”.
أما احتقان (خليفة الشيعة)، علي خامنئي، وتوتر أعصابه وشتائمه للتحالف الدولي العازم على محاربة داعش فأمر متوقع، وطبيعي، ولا غرابة فيه.
فبالرغم من أن داعش (سنية) وتخشى الخلافة الشيعية من احتمال حدوث سوء تفاهم على خطوط التجاور بينهما قد يجر إلى مواجهة مسلحة بين عناصر (غير منضبطة) من جيوش الخلافتين، إلا أن الولي الفقيه واثق ومتأكد من أن القضاء على الإرهاب السني في العراق وسوريا، ولو بعد أعوام، يعني، حتما وبالضرورة، أن يكون بداية نهاية الإرهاب الشيعي، ليس في العراق وسوريا فقط، بل ربما في مواقع أخرى تالية، وهذا ما يرعبه ويثير أعصابه ويستنزل لعناته على كل من يدعو إلى محاربة داعش وأخواته الكثيرات.
ففي خطابه في الاحتفال بيوم تنصيب علي بن أبي طالب للامامة فيما يسمى بـ (حادثة غدير خم) قال خامنئي ” إن تدقيق النظر والتحليل بهذه الاحداث يشير الى أن أميركا وحلفاءها يريدون إثارة الخلافات والعداء بين المسلمين، أكثر مما يريدون محاربة داعش من وراء هذا التحالف الكاذب بين أميركا وحلفائها”.
وقال “ان أي شخص ملتزم بالاسلام ويؤمن بالقرآن، سواء كان شيعيا أم سنيا، عليه أن يعي أن السياسات الصهيوأميركية هي العدو الحقيقي والرئيسي للاسلام والمسلمين”، وليس داعش في رأي الولي الفقيه.
وقال: “إن السياسة الرئيسة لـ (المستكبرين) هي إثارة الخلافات بين الفرق الاسلامية، وخاصة بين الشيعة والسنة”.
أما المليشيات العراقية والحرس الثوري وحزب الله والحوثيون وفرسان المعارضة البحرينية التي أحرقت الأخضر واليابس، وعطلت الحياة وأشاعت الفوضى والخوف في مجتمعات كانت آمنة مستقرة، وأفرغت دساتيرها وقوانينها من مضمونها، ومزقت صفوف أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، وداست على سيادة تلك الدول، وأهانت كرامات شعوبها، بهدف واحد معلن وغير مخفي وهو فرض التشيع بالقوة، وانتزاع السلطة من (السنة) بالمفخخات وبتعطيل المؤسسات وحرق الوزارات وقتل الجنود والضباط، والمناداة بأخذ الثأر النائم منذ 1400 سنة، فهي في قناعة الولي الفقيه لا ” تخدم السياسة الرئيسية لـ (المستكبرين)، ولا تثير الخلافات بين الفرق الإسلامية، وخاصة بين السنة والشيعة.”
والأكثر بشاعة ونفاقا وتقية أن الولي الفقيه يدعي الخوف من أن يكون هدف القتال ضد داعش تفرقة المسلمين وإشعال الفتنة بين السنة والشيعة، وهي، في نظره، من الكبائر.
أمر هذا الولي الفقيه أعجب من عجب، فهو (يريدها زغار زغار، يريدها كبار كبار). لا يخاف ولا يستحي.