دعونا ننظر وراءنا

دعونا ننظر وراءنا
آخر تحديث:

 بقلم:علي علي

لعل من المفارقات أن يطلق مصطلح (فراغ دستوري) على وضع العراق في حال تأخير تشكيل مجلسي النواب والوزراء، إذ الفراغ الدستوري والقانوني والسياسي مافتئ العراق يراوح فيه منذ عام السعد عام 2003. ولست بمبالغ إن قلت أن ما يحياه العراقيون منذ ذاك الحين حتى اللحظة، أشبه بالعيش في منطقة انعدام الجاذبية، وأقرب مصطلح يصفهم في لغتنا الدارجة أنهم (لا للسما ولا للگاع).

وباستطلاع بسيط، يتبين لنا مدى تعثر عمل برلمانهم طيلة دوراته الثلاث السابقة، حيث يصعب على أي مسالم ومتساهل منا ان يغض النظر ويسامح المتسببين في هذا التلكؤ، لما أحدثوه بالبلاد من خراب، ولاسيما أن هناك الملايين تنتظر أي بصيص أمل يخرج من أعطاف هذه المؤسسة، وكيف لا وهي الممثلة الأولى للشعب!. وإذا أردنا نسيان الدورات الانتخابية الماضية، واتبعنا القاعدة (عفا الله عما سلف) وتتبعنا أوجه التلكؤ والتعثر الشديد الذي اتسمت به الدورة الانتخابية الأخيرة، وعلى وجه التحديد السنة الأخيرة منها، حيث سادت أجواء اجتماعات المجلس الخلافات والصراعات التي ان بدأت في جلسة، فانها لا تنتهي في الثانية ولا الثالثة ولا العاشرة، بل تتناسل الخلافات لتصبح مواقف وتعصبات وتصرفات، بدورها تتفاقم الى أفعال يكون ضحيتها الأول المواطن، والثاني المواطن، والثالث المواطن لاغير.

ففي عراقنا، عراق الديمقراطية والانفتاح، نجد التهاون والتباطؤ والتراخي المتعمد، قد صاحب أداء كل الأعمال المنوطة بمجلس النواب، وبنظرة الى الوراء، فان عملية سير إقرار القوانين كانت أبطأ من السلحفاة العرجاء، منها -على سبيل المثال لا الإحصاء- التعداد السكاني، الذي توليه الدول والأمم أولوية بإجرائه في موعده، حيث تترتب عليه كثير من أمور البلاد والعباد، وكان حريا بمجلس النواب ان يوجه ويضغط على الجهاز المركزي للإحصاء بضرورة إجرائه في موعده، بدل ضغطه على جهات أخرى لتحقيق مآرب لاتخدم المصلحة العامة.

كذلك هناك قانون غط في سبات عميق حتى صار في حكم النسيان، ذاك هو قانون تنظيم الاحزاب، وأقرب سلبية شهدها العراق من جراء عدم إقراره، هي تضارب سقف المرشحين المنتمين الى أحزاب، ولو كانوا تحت حكم قانون منضبط يقر بحقوق الأحزاب، لكانت العملية الانتخابية أخذت اتجاها أكثر عدلا وإنصافا ودقة، أمام الناخب الذي تحير إزاء الكم الكبير من الأحزاب التي يتوجب عليه انتقاء مرشحه من بينها.

أما التلكؤ الذي طال العلاقة بين المركز والإقليم، فقد كان طيلة الدورة الماضية يتقدم خطوة، ويتقهقر اثنتين، كما كان لتشعب المشاكل دور في استحداث مشاكل جديدة باتت تتناسل على جدول الخلافات، منها رواتب البيشمركة، كذلك الخلاف النفطي الأزلي الذي عمقته رئاسة الإقليم، بتبنيها تصدير النفط من دون اتخاذ موافقة المركز، الأمر الذي يعد سرقة ليست من صالح مستقبل الإقليم، كما هو يزيد من هوة الخلافات بين بغداد وأربيل.

أما (آخر العنگود) وعين القلادة المتنازع عليها كل عام فهي الموازنة، إذ المعمول به في بلدان الكرة الأرضية وباقي كواكب المجرة، ان الموازنة تقدم نهاية كل سنة لتبدأ مؤسسات البلد سنة جديدة، وهي على بينة من أرضيتها المالية وإمكانياتها في إدارة شؤونها. أما الذي حصل -ومازال يحصل- فهو التمادي بالوعود وإثارة مشاكل -من جوه الگاع- من هذا العضو أو ذاك، علاوة على رئيس المجلس، بغية تأخير إقرارها او حتى قراءتها قراءة (مال اوادم).

فالحصيلة إذن، من سنوات عمل مجلس النواب السابقة، لاتتجاوز حصيلة (چنبر) او (بسطية) من حيث الأداء والإنجاز والجدوى والنفع العام. أما من حيث المنافع الخاصة، والمآرب الشخصية، فكانت تلك السنوات سوقا رائجة ومربحة لأغلب أعضائه وعلى رأسهم -قطعا- رئيسه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *