الأجواء السياسية المشحونة، لا بد ان تتمخض عن تغييرات من أعلى قمة في الهرم الحكومي والى اصغر مدير قسم أو شعبة، اربع محافظين في أقل من ستة اشهر، واكثر من سبع مدراء دوائر وقائممقام، لم تأت جميعها بما يطلبه المواطن، بل بما تتطلبه السياسة العامة للدولة والتي بنيت على المحاصصة.
اخر التغييرات، تعويم مصطلحات جديدة للإفلات من قبضة القانون والدستور، كمصطلح خلية الأزمة ومصطلح “تكليف” التي لا وجود لها ولا سند، فيما وضعت وخصصت للمناصب الثابتة، كمنصب المحافظ والذي يسند بمرسوم جمهوري والذي لا يلغى الا بمرسوم جمهوري او حكم قضائي، خصص لمن يتسنم هذا المنصب مصطلح “تكليف” وتمت المباشرة الفعلية لأحد القضاة محافظا لذي قار.
منصب نائب محافظ ذي قار والذي اسند للمحامي حازم الكناني كان رغبة المتظاهرين، ومن خلاله تم التغاضي عن شخصية المحافظ ناظم الوائلي، وقد سهل عملية تنصيبه رغم انه جاء وفق المحاصصة ولا شيء غيرها، ضمن اتفاق سياسي دار بأروقة الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهو أمر طبيعي على اعتبار ان البلد قائم على المحاصصة وترك هكذا منصب أمر لا يستوعبه العاقل، ولكن هل منصب نائب المحافظ كافٍ للعب دور بارز ومهم، خصوصا وان المحافظ قاضٍ ومن صفاته التفرد بالقرار؟ الجواب لا، ووفق الجواب النافي للعب دور بارز ومهم، سيضطر المحامي حازم الكناني لتقديم استقالته والاعتذار، لأنه يلقى على عاتقه مسؤوليات كبيرة تكاد تكون اكبر من المحافظ نفسه، لانه وببساطة على تماس مع المتظاهرين الذين اختاروه ليكون ممثلا لهم في هذا المنصب، غير الحساس، ويتطلب منه ان يقدم ويشرع بحلول واقعية وخدمية كبيرة، وهو لا يقبل ان يفشل في الدور المسنود إليه خصوصا وان هناك انتخابات وهو يرغب بخوضها وبقاءه في هذا الدور المقيد خسران لجماهير يعول عليها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتقديمه الاستقالة هي زيادة رصيده الشعبي وفي الوقت ذاته هروب من المسؤولية الكبيرة.
فشل المحافظين السابقين، قد يُمهل المحافظ الجديد فرصة لتلافي النقد، وسيكون الجواب على تساؤلات النقاد جاهزا وحاضرا، في انه استلم المهمة العصيبة منذ وقت قصير، ولكنها لن تدوم طويلا، كما ان هناك فرصة لتثبيت المحاصصة وتحقيق رغبة البرلمانيين في تغيير الدوائر وفقا للمحاصصة، الذي تم الاتفاق عليها في أروقة الامانة العامة، وهنا سيصفق الجمهور له لأنه قام بتغيير المدراء وليس الجميع سيفهم انها اتفاقات مسبقة، والدليل ستبقى بعض الشخصيات المختلف على نزاهتها كمنصب المعاون الفني والقائممقام وغيرهما.
تصريح المحافظ الجديد بفتح ملفات الفساد، عبارة سمعناها كثيرا ممن سبقه، وسأبخس حقه هذه المرة وسأعتبرها دعاية لا اكثر، لان الصراع السياسي المحموم والمشتعل سابقا، والممتد لما قبل تنصيب الوائلي، فتحَ ملفات مقاولين وسياسيين وشركات وتشكلت لجان على عدة مستويات، جميعها ذهبت ادراج الرياح والسبب معروف، لانها ترتبط بكتل واحزاب، فهل سيحاسب المقاولات التابعة للاحزاب، مثلا، ام يفتت الصفقات السياسية التي تمخض عنها توزيع الدوائر الكبيرة والمتوسطة والصغيرة؟ الجواب كلا.
هيئة الرأي الخاصة بإعمار ذي قار والمتكونة من مجموعة مهندسين، والتي سيعتمد عليها المحافظ الجديد، تضم بينها كبار الفاسدين من المهندسين الذين استلموا دوائر مهمة وفشلوا وعليهم ملفات فساد كثيرة في دائرة النزاهة، إلا ان اتفاقات بغداد فرضت بعضهم كهيئة رأي، بالتالي فلن يكون المحافظ على تماس مباشر مع الخدمات والاعمار بل عن طريق واسطة تعمل وفق اجندة سياسية محاصصاتية تبحث عن الربح قبل الخدمة، او الخدمة المشروطة بمنحها المشاريع لجهة دون اخرى، لذا كان الاحرى الأتيان بمهندس او صاحب خبرة يعلم خبايا وخفايا المحافظة والشخوص التي يعتمد عليها كي تنتفي الحاجة للاعتماد على الاخر غير النزيه، او تنصيب نائب المحافظ المحامي حازم الكناني محافظا وترك الأمور له على اعتبار انه جاء من رحم التظاهرات بخلاف غيره.