ربما هي المرّة المئة، أو أكثر، التي يتصرّف فيها رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، في غضون ثلاث سنوات ونيّف، منذ تولّى منصبه هذا، ليس بوصفه رئيساً للبرلمان، المؤسسة الوطنية الأهمّ في البلاد، وإنما كرئيس لفرقة دينية أو طائفية أو حزبية.
السيد الجبوري لم يفلح أبداً، برغم مناوراته ومراوغاته، أن يتستّر على واقع أنه لطالما يدفع دفعاً باتّجاه تمرير مشاريع قوانين وقرارات بصيغ تنسجم مع أفكاره وعقيدته الشخصية السياسية/ الدينية، بوصفه إسلاميّاً (سنيّاً إخوانيّاً) محافظاً وتحقّق له مصالح شخصية وحزبية، وعرقلة مرور مشاريع قوانين أخرى لا تتناغم مع أفكاره وعقيدته الشخصية ولا يرتجي منها مصلحة.
أول من أمس دفع الجبوري، من دون مراعاة أصوليّة لمسألة النصاب القانوني، في سبيل التصويت من حيث المبدأ على مشروع قانون ظلّ إشكالياً لأكثر من عقد من الزمان، هو مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، المقدّم من المجلس الإسلامي الأعلى. والتعديلات المقترحة سيئة للغاية تهدف إلى إعادة مجتمعنا إلى عصر الحريم العثماني، بإجازة الزواج بأطفال قصّر (البنات خصوصاً)، وجعل الزوجة في مرتبة الخادمة، وسحب قضايا الأحوال الشخصية من السلطة القضائية الدستورية إلى سلطة غير دستورية هي سلطة رجال الدين.
في البلاد الديمقراطية لا يتصرّف رؤساء الدولة والبرلمان والحكومة على وفق أهوائهم ومصالحهم الشخصية أو الحزبية، إنما استناداً إلى المصالح العليا للمجتمع، بما يكفل السلم الأهلي والاستقرار والتنمية الشاملة، وبهذا يحققون لأنفسهم وأحزابهم المجد المُبتغى ويعزّزون فرص انتخابهم من جديد.
بين السيد الجبوري والجماعة الإسلامو – سياسية التي يقودها تعاون مصلحة مع جماعات إسلامو- سياسية أخرى (شيعية) تضغط للقبول بمشروع القانون الخاص بتعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ منذ العام 1959 والمعتبر على نطاق واحد أنه أفضل قانون من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. والسيد الجبوري، تبعاً لمصلحته الشخصية والحزبية، يعمل الآن لإرضاء المرضى روحيّاً الذين تسوّل لهم أنفسهم الزواج من بنات قاصرات لم يغادرن بعد مرحلة الطفولة وتحويلهن إلى خادمات ذليلات، وهو أمر لا يرتضيه الجبوري بالتأكيد لبناته، فليس سوى المرضى مَنْ يقبلون بأن تُعامل بناتهم بمثل ما كان تنظيم داعش الإرهابي يتعامل مع النساء، بحسب ما قارنت السيدة ريزان شيخ دلير، عضو لجنة المرأة والطفولة في مجلس النواب، أول من أمس، مؤكدة أن مشروع القانون الذي يضغط الجبوري لتمريره يمثل”نكسة للمرأة العراقية”.
السيد الجبوري، وهو رئيس مجلس النواب، لم يحفل باعتراضات الكثير من أعضاء المجلس، ولم يقبل بالاستماع إلى وجهات نظرهم، ولم يأخذ في الاعتبار نقاط النظام التي رفعوا أيديهم من أجلها، ولم يراعِ أنّ المجتمع العراقي فيه إلى جانب المسلمين، مسيحيون وصابئة وإيزيدية وبهائية، فضلاً عن نسبة كبيرة من العلمانيين، وفيه مسلمون من مذاهب عدة وليس من مذهب واحد، هو المذهب الشيعي، ولم يلتفت الى التعارض بين أحكام القانون المقترح وشرعة حقوق الإنسان الدولية المُلزمة لدولة العراق التي يرأس السيد الجبوري سلطتها الأولى والأعلى!
هل يرضى الجبوري لبناته أن يتزوّجنَ في عمر 9 – 13 سنة؟ هل يقبل لبناته أن يعشنَ ذليلات خانعات مُستعبدات في بيوت أزواجهنَّ؟.. بئس، إذن، القانون الذي أمضى سنوات في دراسته..!