رايتس ووتش:التعديب في السجون والدوائر الأمنية العراقية “مرعب”
آخر تحديث:
بغداد/شبكة أخبار العراق-نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش، شهادات وصفتها بـ”المرعبة”، لمعتقلين قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب في السجون العراقية، فيما شددت على ضرورة التحقيق في سوء المعاملة، أثناء عمليات الاستجواب في الموصل.وفيما يلي نص تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش:قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم الاثنين، إن معتقلَيْن سابقَيْن ووالد رجل توفي أثناء الاعتقال قدموا تفاصيل عن سوء المعاملة والتعذيب والموت في مراكز تديرها وزارة الداخلية العراقية في منطقة الموصل.قال شخص كان محتجزا لدى “مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب” (الاستخبارات) التابع لوزارة الداخلية في سجن شرقي الموصل من يناير/كانون الثاني إلى مايو/أيار 2018 إنه شاهد وتلقى تعذيبا متكررا أثناء الاستجواب، ورأى 9 رجال يموتون هناك، اثنين على الأقل من سوء المعاملة. قال والد رجل آخر من الموصل اعتقل في مارس/آذار من قبل الشرطة المحلية، إنه توفي أثناء استجوابه من قبل هذه القوات في مركز تابع لها في الموصل. قال رجل احتُجز في سجن الاستخبارات في القيارة إنه رأى رجالا آخرين عادوا من الاستجواب وهم يحملون علامات على سوء المعاملة على أجسادهم.
قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “هذه المزاعم الأخيرة لا تعكس المعاملة الوحشية لمحتجزي وزارة الداخلية في منطقة الموصل فحسب، بل أيضا عدم إحقاق العدالة من قبل السلطات الأمنية والقضائية عند وجود دليل على التعذيب. تقاعس الحكومة عن التحقيق في التعذيب والوفيات في الاحتجاز هو ضوء أخضر لقوات الأمن لممارسة التعذيب دون أي عواقب”.
بسبب معدل إطلاق السراح المنخفض نسبيا من المراكز التي احتجز فيها الرجال والخوف الاستثنائي الذي أبداه المعتقلون السابقون، لم يتمكن الباحثون من العثور على معتقلين سابقين آخرين كانوا على استعداد للتحدث. مع ذلك، فإن أساليب التعذيب الموصوفة تتفق مع ممارسات التعذيب التي تمارسها قوات وزارة الداخلية الأخرى، والتي وصفها للباحثين محتجزون سابقون آخرون ووُثِّقت بالصور ومقاطع الفيديو التي نشرها المصور الصحفي علي أركادي في مايو/أيار 2017.
بموجب “اتفاقية مناهضة التعذيب”، التي انضم إليها العراق في 2011، يُعرَّف التعذيب على أنه التعمد في إيقاع الألم أو العذاب الجسدي أو العقلي، من قبل موظف عمومي لغرض محدد مثل الحصول على معلومات أو اعتراف أو كعقاب.
أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش مقابلات مع المعتقلين السابقين ووالد المحتجز الذي قُتل رهن الاعتقال في يوليو/تموز وأغسطس/آب شخصيا وعبر الهاتف. قدم كل منهم أدلة مادية أو وثائقية أو فوتوغرافية لإثبات رواياتهم. لم يُخبر الرجال المعتقلون أو المفرج عنهم القضاة بأنهم تعرضوا لسوء المعاملة أو أنهم شهدوا سوء معاملة، خشية الانتقام من حراسهم، وقالوا إنهم لن يتخذوا أي خطوات للإبلاغ عن سوء المعاملة. قال أحدهم إنه أصيب بكدمات في جميع أنحاء ذراعيه، كانت واضحة للقاضي، لكن القاضي لم يستفسر عنها أو يحقق في إمكانية استخدام التعذيب. قال الأب الذي فقد ابنه إنه تقدم بشكوى رسمية إلى الشرطة لكنه لم يتلق ردا بعد.
قال سلام عبيد عبد الله إن عناصر شرطة الموصل ألقوا القبض على نجله داوود سلام عبيد، وهو عامل، في 22 مارس/آذار قائلين إنهم يأخذونه لاستجوابه. أُخبر عبد الله بعد يومين أن ابنه قد توفي بسبب نوبة قلبية أثناء التحقيق. لكن عندما حصلت العائلة على الجثة بعد شهر، ظهرت عليها كدمات وجروح.
“محمود” (35 عاما)، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، قال إنه سلم نفسه إلى مسؤولي الاستخبارات في الموصل في يناير/كانون الثاني بعد أن أخبره صاحب العمل أن الاستخبارات قد أصدرت مذكرة توقيف بحقه. احتُجز 4 أشهر، تعرض خلالها للتعذيب مرارا لأنه اشتُبه في انتمائه إلى تنظيم “الدولة الإسلامية (المعروف أيضا بـ “داعش”). وصف أساليب التعذيب المستخدمة عليه وعلى غيره من المعتقلين، وقال إنه رأى شخصين يموتان بسبب التعذيب.
أُطلق سراح محمود في مايو/أيار، بعد 4 أشهر، من قبل قاضي تحقيق في محكمة نينوى لمكافحة الإرهاب، حيث وجد أنه لا يوجد دليل يربط محمود بداعش، عندما مثل محمود أمام القاضي في أول جلسة استماع له، لم يثر القاضي أسئلة حول معاملته، رغم أن ذراعيه حملت رضوضا واضحة، على حد قوله. قال إنه لم يخبر القاضي أنه تعرض للإيذاء لأنه كان خائفا من رد الحراس. سمّى محمود 4 رجال أمن قاموا بتعذيبه لـ هيومن رايتس ووتش.
قال: “في معظم الليالي، أرى كوابيس حيث يُهيئ لي أنني ما زلت في السجن. أستيقظ وأنا أتعرق ولا أقوى على التقاط أنفاسي إلا حين ألتفت حولي وأرى أنني في بيتي، مستلقيا بجوار زوجتي”. قال إنه كان يخشى من القصاص الشديد من قبل القوات التي احتجزته لطلب التعويض عن الانتهاكات.
احتُجز “كريم” 11 شهرا، أولا في سجن الاستخبارات في القيارة، على بعد 60 كيلومتر جنوب الموصل، ثم في سجن الفيصلية حيث كان محمود محتجزا. قال لـ هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز إنه لم يتم استجوابه أو تعذيبه، لكنه رأى علامات تعذيب على 5 رجال في سجن القيارة.
وجد قاضٍ في مايو/أيار 2017، بعد فترة وجيزة من احتجازه، أنه لا يوجد دليل واضح ضده وأمر بإجراء فحص أمني لإخلاء سبيله. لكنه احتُجز حتى مايو/أيار 2018، عندما تمكن محاميه من تحديد مكانه والإثبات للقاضي أنه لا يوجد أي دليل ضده.
يحرّم الدستور العراقي “جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية” وينص أيضا على أنه “لا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه، وفقا للقانون”. كما أن “قانون أصول المحاكمات الجزائية” يحظر “إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير” لانتزاع اعتراف.
مع ذلك، فإن النظام الجزائي العراقي يعتمد بشكل كبير على الاعتراف باعتباره الدليل الوحيد في المحاكمة، لا سيما في المحاكمات الحالية لآلاف المشتبه في انتمائهم إلى داعش. نادرا ما يتعامل القضاة في العراق مع مزاعم التعذيب في قاعة المحكمة بشكل مناسب. ويتجاهل معظمهم الادعاءات، أو، في بعض الحالات، يأمرون بإعادة المحاكمة دون التحقيق مع رجل الأمن المتورط في سوء المعاملة.
وفي 12 آب، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى حيدر العكيلي، ممثل اللجنة الاستشارية لرئيس الوزراء، طالبة الرد على ادعاءات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم. كتب العكيلي في رد أولي في 14 أغسطس/آب أنه ملتزم في التحقيق في موت داوود سلام العبيد، لكنه لن يتمكن من التحقيق في الادعاءات الأخرى ما لم يُعلن عن هوية الأشخاص المعنيين. أوضحت هيومن رايتس ووتش في رسالة لاحقة أنها وفرت معلومات كافية للتحقيق في ادعاءات التعذيب والموت أثناء الاعتقال، بما فيها فترات الاحتجاز وأماكنه والأشخاص الذي لعبوا دورا. كتب العكيلي لاحقا في اليوم نفسه في رسالة إلكترونية، في إشارة إلى الطلب من مكتبه إجراء تحقيق: أود أن أقول نحن متفقين ولسنا مختلفين لأننا بالطبع سنقوم بذلك و(لكن)… عملية فتح تحقيقات بهذه التفاصيل الدقيقة بناء على “رواية” شخص غير معروف أمر صعب… ومع ذلك فسوف نقوم بكل ما نستطيع.
كما قدمت هيومن رايتس ووتش المعلومات إلى المفتش العام بوزارة الداخلية. ينبغي للمفتش العام إجراء تحقيق شفاف في ممارسات التعذيب والوفيات في مركز الشرطة في الموصل والسجن في الفيصلية ونشر نتائجه علنا. ينبغي له أن يضمن معاقبة أي قادة متورطين في الانتهاكات المبلغ عنها بشكل مناسب، بما في ذلك من خلال التهم الجنائية، وضمان حصول محمود وغيره ممن عانوا من سوء المعاملة على تعويضات.
على أي دولة تقدم الدعم لقوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية أن تحقق فيما إذا كانت مساعداتها قد ساهمت في الانتهاكات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، وأن تنظر في تعليق دعمها حتى تتوقف الانتهاكات. عليها ضمان ألا تساهم زيادة المساعدات المقدمة إلى قوات الأمن في التعذيب وغيره من الانتهاكات الخطيرة. أحد السبل لتحقيق ذلك هو تقييم ما إذا كانت السلطات العراقية تتخذ خطوات حقيقية للتحقيق في مزاعم الانتهاكات الجسيمة وإجراء ملاحقات قضائية تشمل التعذيب أثناء الاحتجاز.
عليها التأكد من أن يتضمن أي تدريب حالي أو مستقبلي للقوات العسكرية أو الأمنية أو الاستخبارات تعليمات شاملة حول مبادئ وتطبيق قوانين الحرب وحقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المعتقلين.
قالت فقيه: “المحتجزون وعائلاتهم يقدمون دليلا ملموسا على إساءة المعاملة في مراكز وزارة الداخلية. الكرة الآن في ملعب السلطات لتظهر أن لديها الهيكليات المناسبة للتحقيق والملاحقة والتعويض”.
قال سلام عبيد عبد الله إن الشرطة اعتقلت ابنه في الساعة 11:30 مساء في 22 مارس/آذار. لم يقدم العناصر أي سبب للاعتقال، لكنهم قالوا إنهم يريدون استجواب ابنه في مركزهم المحلي. بعد يومين، عبر اتصالات شخصية، قال عبد الله إنه تأكد في النهاية من المركز الذي يحتجز فيه ابنه. أخبره رجل أمن في المركز أن عبيد قد توفي في ذلك الصباح أثناء استجوابه بسبب نوبة قلبية. قال عبد الله إنه طالب بإجراء فحص طبي شرعي، لكن رجل الأمن قال إنه سيحتاج إلى انتظار وصول فريق تحقيق طبي من بغداد.
في 23 أبريل/نيسان، أعادت الشرطة جثة عبيد إلى عائلته، قائلة إن الفريق قد أجرى فحصا، لكنه سيحتاج إلى إصدار التقرير من بغداد. لم تتلق العائلة التقرير. عرض عبد الله 3 صور لجثة عبيد، تظهر فيها جروح على جبينه وظهره، وكدمات وحروق على ساقيه، وكدمات على كتفيه، ودم جاف في أذنيه وأنفه.
قال “محمود” إنه سلّم نفسه لمديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب ومجمع السجون في الفيصلية، شرق الموصل، في يناير/كانون الثاني، وأفرج عنه في أواخر مايو/أيار. قال إنه احتُجز في زنزانة مكتظة مع معتقلين آخرين كانوا جميعا محتجزين بسبب انتمائهم المزعوم إلى داعش. قال إن رجال الأمن في السجن لم يسمحوا له بالاتصال بعائلته أو بمحاميه، ولم يقم مراقبون مستقلون بزيارة منطقة السجن الذي احتجز فيه. قال إنه لم يتلق الرعاية الطبية ولم يُسمح له باستخدام الحمام سوى مرتين في اليوم، وكان الحراس يضربون المحتجزين إذا ما تأخروا في الحمام.
قال محمود إنه رأى زميلين له في الزنزانة يموتان من التعذيب الذي مارسته عليهما قوات الأمن خلال جلسات الاستجواب. كما ذكر بالتفصيل عددا من أساليب التعذيب التي استخدمها المحققون، بما في ذلك تعليقه من يديه المقيدتين خلف ظهره بتقنية تسمى” البزونة” (القطة) 6 مرات على الأقل، والضرب عدة مرات، بما في ذلك على أسفل قدميه، وهي تقنية تعرف دوليا باسم “الفلقة”.
كشف للباحثين عن ندوب تتفق مع مزاعم تعذيبه، منها على ظهره جراء ضربه بكابل معدني، وعلامات على قضيبه وخصيتيه، حيث أحرقه رجال الأمن بمسطرة معدنية ساخنة. قال إنه رأى أيضا رجال أمن يعذبون سجناء آخرين بما في ذلك بتعليقهم بخطافة وبربط زجاجة ماء بسعة لتر في أعضائهم الذكرية، ما يؤدي إلى الالتهاب. كما أطلع الباحثين على الأدوية التي وصفها له الطبيب عند إطلاق سراحه. قال إنه كان يفقد أظافره في وقت المقابلة بسبب نقص الكالسيوم.
وفي أيار، أصدر قاضي تحقيق في محكمة نينوى لمكافحة الإرهاب سراح محمود بعد جلستين من المحاكمة بعد أن وجدت المحكمة أنه لا يوجد دليل يربط محمود بداعش. قال محمود إن الحراس في قاعة المحكمة أجبروه على التوقيع على ورقة بعد أول جلسة استماع له لكنه لم يسمح له بقراءتها. ولم يكن يعرف ما إذا كان لديه محام معين من قبل الدولة في جلسة الاستماع، لكنه قال إن أحدا لم يتحدث نيابة عنه. عينت زوجته محاميا خاصا استطاع أن يستأنف أمام القاضي لعقد جلسة ثانية لمحمود وتأمين إطلاق سراحه. قال محمود إن المحامي الخاص لم يتمكن من مقابلته على انفراد قبل الجلسة الثانية.
قال محمود إنه كان محتجزا في زنزانة مساحتها حوالي مترين بثلاثة أمتار، مع 50 إلى 70 رجلا، احتُجز العديد منهم لعام كامل، واعتُقلوا جميعا بتهم الإرهاب. كان هناك 3 زنزانات، إحداها زنزانة للنساء المحتجزات، وقد عرف ذلك من أصواتهن، وهناك كاميرات في كل زنزانة. كان المعتقلون ممنوعين من التحدث إلى بعضهم البعض. قال إنه سُمح لهم بمغادرة زنزانتهم مرتين في اليوم، في الصباح والمساء، لاستخدام الحمام، لكنهم كانوا يتعرضون للضرب إذا ظلوا أكثر من دقيقتين في المرحاض.
قال محمود إنه في أول ليلة في السجن، قام أحد رجال الأمن، والذي سماه لباحثي هيومن رايتس ووتش، بعصب عينيه، وربط يديه، ونقله من زنزانته إلى منطقة تسمى “الميدان”. قال: “استطعت سماع أصوات 3 رجال أمن”. فتحوا عينيه وبدأوا باستجوابه، وحينها قال لهم بأنه لم يفعل أي شيء خاطئ. ركلوه وحذروه: “غدا سنبدأ المرحلة الأولية من التحقيق”.
في صباح اليوم التالي، قال إن أحد الحراس اقتاده إلى الميدان مرة أخرى، حيث رأى رجال الأمن الثلاثة أنفسهم:
ضربوني لمدة 15 دقيقة بالمواسير البلاستيكية والمعدنية والكابلات، دون قول أي شيء. ثم ربطوا يديّ خلف ظهري، وعلقوني من يديّ، في وضعية تسمى “البزونة”، حيث بقيت قدماي مرفوعتين عن الأرض، وقالوا: “سنبقيك هكذا حتى ينخلع كتفك”. تركوني لوحدي لمدة ساعة ثم فقدت وعيي.
قال إنه عندما استعاد وعيه كان مستلقيا على الأرض، ورأى معتقلَين آخرَين، كليهما عاريين، راكعين في وضع “العقرب” وكانت أيديهما مربوطة خلف ظهريهما.
كما حدد هوية رجل أمن رابع كان في الغرفة، وأعطى اسمه لـ هيومن رايتس ووتش.
قال إن رجال الأمن أعطوه بعض الماء في هذه المرحلة، ثم بدأ أحدهم بضربه على ساقيه من الخلف وخصره بأنبوب بلاستيكي. ثم علقوه في وضعية “البزونة” مرة أخرى. ربط أحد رجال الأمن قدميه بينما ألقى الآخرون المياه عليه وضربوه بكابل معدني.
قال إنه بعد فترة من الوقت أنزلوه، وفكوا يديه، ووضعوه على صدره، وركب رجل أمن على كتفيه زاعما أنه سيساعد على إعادة الكتفين إلى مكانهما:
بينما كنت أرقد هناك، أحضر الحراس 3 سجناء آخرين، وبدأ رجال الأمن بضرب اثنين منهم، ثم قاموا بتعليقهما من أيديهما، التي كانت مقيدة خلف رأسيهما، على خطافين بجوار نافذتين صغيرتين في الغرفة. عندما كانوا يفعلون ذلك، قال لي أحد رجال الأمن، “انظر إلى هذين الاثنين، سيكون هذا مصيرك قريبا”. كان كلاهما مغطى بكدمات. كان واحد بملابسه الداخلية، والآخر عاريا. بعد فترة من الوقت، لست متأكدا من طول المدة لأنه كان من الصعب جدا الإحساس بالوقت هناك، أمر الضابط الأعلى رتبة في الغرفة رجال الأمن الآخرين بربط قنينة ماء بسعة لتر إلى خيط وتعليقها بقضيب كل منهما.
قال إن حارسا اقتاده إلى زنزانته لبضع ساعات، ثم أعاده إلى الميدان. “عندما دخلت، بدأ ]رجال الأمن[ بركلي وضربي، وقال لي أحد رجال الأمن أن أرفع رأسي، ثم صفعني بقوة لدرجة أنني كدت أن أقع”. قال إن رجال الأمن بدأوا باستجوابه حول منصب أخيه الحكومي في الموصل قبل وأثناء حكم داعش. عندما دخل الساحة للمرة الثانية، رأى أن الرجلين اللذين كانا بالقرب من النافذتين ما زالا في نفس الوضع.
على مدار الأشهر التالية لاعتقاله، قال إن رجال الأمن علقوه في وضعية “البزونة” 6 مرات على الأقل، غاب عن وعيه في 4 مرات منها، وضربوه عدة مرات، بما في ذلك 15 جلدة بكابل لسؤاله عما إذا كان يمكن أن يتصل بعائلته. “أشعر بالخجل من الاعتراف بأنني بدأت أشعر بالحماسة كلما رأيت سجناء جدد يصلون، لأن ذلك كان يعني أن رجال الأمن سيكونون مشغولين معهم، ويتركوني وشأني”.
في إحدى المرات، بعد أسبوع تقريبا من احتجازه، تم القبض عليه وهو يتحدث داخل زنزانته، فبدأ رجال الأمن بضربه، قائلين إنهم سيجلدونه 20 جلدة. قال إنه تحداهم بالقول: “أنتم تضربوني مثلما يضرب داعش الناس، ما الفرق بينكم وبين داعش؟” ما دفعهم إلى ضربه أكثر. كان يصرخ كثيرا فوضعوه على صدره ورفعوا ساقيه وضربوا أسفل قدميه عدة مرات باستخدام أنابيب بلاستيكية. قال إنهم توقفوا 4 مرات، وأجبروه على الوقوف والقفز في بركة ماء قبل الاستمرار، حتى يتدفق الدم مرة أخرى إلى قدميه ويزداد الألم.
بعد مرور 3 أشهر على احتجازه، قال إن أحد الحراس قبض عليه و6 سجناء آخرين يتحدثون سوية أمام الكاميرا واقتادهم إلى الميدان. قال محمود إن رجال الأمن أرغموهم على الاستلقاء على صدورهم وبدأوا يضربونهم أسفل أقدامهم. كان هو ومعتقل آخر يصرخان ويحركان ساقيهما، حتى قلبهما رجال الأمن على ظهريهما:
ثبت أحد رجال الأمن كتفي، وأمسك آخر ساقي، والثالث الذي كان يرتدي قفازات أمسك مسطرة معدنية صغيرة تم تسخينها على موقد الشاي ووضعها على طول قضيبي. انتفضت من الألم، فحرقني رجل الأمن للمرة الثانية على خصيتي. أحرقوا المعتقل الآخر مرة واحدة على قضيبه أيضا. ذهبت إلى الطبيب بعد أن خرجت لأني ما زلت أعاني من ألم شديد، لا أستطيع ممارسة الجنس أو القيام بأي شيء بقضيبي، ولست متأكدا إذا كنت سأتحسن.
قال إنه طوال فترة احتجازه، لم يسمح له رجال الأمن بالحصول على أي دواء أو علاج طبي، لكنهم قدموا بعض الحبوب والكريمات لزملائه الذين يبدو أنهم يعملون مخبرين لهم في السجن.
الوفيات في السجون
أثناء احتجازه، بحسب ما قال محمود، مات 9 رجال في زنزانته، اثنان بعد عودتهما من الاستجواب، والبقية في الزنزانة لأسباب غير واضحة. قال إن أحدهم توفي بعد شهرين ونصف من احتجاز محمود. اعترف المعتقل “عمار” بعلاقته بتنظيم داعش وأعطى رجال الأمن أسماء 5 أبناء عم له قال إنهم من أنصار داعش، كما أخبر محمود في وقت لاحق. في اليوم التالي بدأ رجال الأمن باحتجاز أبناء العمومة. قال محمود:
الساعة 2 صباحا، سمعت صراخا قادما من الميدان، وكان أحد أبناء عمه يصر بالقول لرجال الأمن إنه لم يرتكب أي خطأ. بعد قليل، حمل رجال الأمن ابن العم إلى زنزانتنا وألقوا به على الأرض بجواري، وكان مغطى ببطانية مبللة. كان فاقد الوعي تماما. غيّرنا ملابسه، حتى يكون جافا. حاولنا إحياءه بالطعام والعصير، لكنه كان بالكاد يتحدث. ظل عمار بعيدا، كان خائفا من أن يضربه رجال الأمن إذا حاول مساعدته.
جاء حراسٌ في الصباح التالي وأخذوا عمار إلى المحكمة مع 5 معتقلين آخرين، وفي ذلك المساء عاد الحارس ليأخذ ابن عمه. سمعنا صرخات طوال الليل، وأعاده الحارس في وقت مبكر من الصباح فاقد الوعي. خلعنا ملابسه ورأينا كدمتين كبيرتين على خصره على كلا الجانبين، وكدمات خضراء على ذراعيه، وكدمة حمراء طويلة على طول قضيبه. حاولنا تنظيف جرح الحرق، لكنه لم يتحرك. بدا وجهه أزرق تقريبا. بدأ يرجع إلى وعيه وحاول الوقوف ليلتقط نفسه، لكنه وقع على الأرض. بعد ذلك تغوط على نفسه، فنظفناه وغيرنا له ملابسه.
بعد بضع ساعات سمعته يهمس بأسماء زوجته وأطفاله، ثم صمت. كنت أنادي الحارس، وأصرخ أنه كان يموت، لكن الحارس قال إنه لا يستطيع فتح باب الزنزانة دون أمر من ضابطه. التقط ابن العم نفسا حادا ثم فارق الحياة. عندما أدركنا أنه توفي، قمنا بشيء جعلنا نشعر بأننا لم نعد بشرا، حيث جردناه من ملابسه وأخذناها، لأننا كنا جميعا بحاجة ماسة إلى الملابس.
قال محمود، وهو آخذ في البكاء، إنه مع مرور اليوم، أصبح لجثة الرجل رائحة. أخيرا، فتح الحارس الزنزانة في المساء لأخذ معتقل آخر للاستجواب. قال محمود:قلت له إن الرجل قد مات، فقال: “دعه يموت، الذي مات كلب. لا يهم إذا مات 10 أو 20 شخصا آخر، فهم دواعش ويستحقون الموت”.
جعل رجل الأمن مجموعة من المعتقلين يحملون الجثة إلى الممر، وتركوها مغطاة ببطانية بالقرب من الحمام. قال محمود في تلك الليلة عندما تم نقلهم إلى الحمام، وفي صباح اليوم التالي، إن الجثة كانت لا تزال هناك. في الطريق إلى الحمام كان الحراس يغطون أنوفهم بسبب الرائحة الكريهة.
قال محمود إن رجلا ثانيا توفي في زنزانته خلال 4 أيام من وصوله إلى السجن. قال إنه سمع الرجل يقول لعناصر الأمن إن ليس لديه أي صلة بداعش، لكنه تزوج من امرأة ثانية، ما أغضب زوجته الأولى فبلغت عنه قائلة إنه ينتمي إلى التنظيم. قال محمود إنه رأى رجال الأمن، عبر نافذة في الممر تطل على الميدان، يعلقون الرجل، ثم رآه فيما بعد على الأرض في الميدان كل يوم يجري استجوابه، حينما كان محمود يمر للذهاب إلى الحمام. قال: “في الليلة الرابعة أعاده حارس إلى الزنزانة، ولم يستيقظ في الصباح وأدركنا أنه مات. في صباح ذلك اليوم، جعلنا الحارس نحمل جثته إلى الممر، ولا بد أنهم أزاحوا جثته بعد ذلك”.
في 10 يوليو/تموز، قابل الباحثون “كريم”، الذي احتُجز 11 شهرا بعد اعتقاله في مايو/أيار 2017، أولا في سجن القيارة، ولكن بعد 11 شهرا، أغلق رجال الأمن منشأة القيارة، وهي مجموعة من 3 منازل مهجورة ومتهالكة، ونقلوا بعدها المعتقلين إلى الفيصلية.
أثناء وجوده في القيارة، قال كريم إنه احتُجز في زنزانات مكتظة ومُنع من التحدث إلى معتقلين آخرين. قال إن أحدا لم يستجوبه، لكنه رأى رجالا آخرين يعودون من الاستجواب وآثار التعذيب على أجسادهم.
قال إنه رأى خلال تلك الفترة 5 رجال من زنزانته يغادرون للاستجواب ويعودون بعد 7 إلى 12 ساعة، وهم يبكون ولا يستطيعون تحريك أذرعهم أو أكتافهم. قال: “لم يستطيعوا تناول الطعام أو الشراب، كان علينا إطعامهم. بل كان علينا مساعدتهم على الذهاب إلى الحمام”. قالوا له إنهم كانوا معلقين في وضعية “البزونة”. قال أيضا إن موظفي منظمة “أطباء بلا حدود” زاروا المستشفى وأخرجوا محتجزا واحدا من زنزانته لأن عليه علامات تعذيب واضحة جراء الضرب بالكابلات المعدنية.
قال إن قاضيا وجد في مايو/أيار 2017 أنه لم يكن هناك أي دليل واضح ضده وأمر “جهاز الأمن الوطني” والاستخبارات بإخضاعه لتدقيق أمني لإخلاء سبيله. لكنه ظل رهن الاحتجاز، وفي أبريل/نيسان 2018، نقلته السلطات والمعتقلين الآخرين إلى الفيصلية. في الفيصلية وصف غرفة كبيرة حيث تم احتجازه مع 70 رجلا آخر على الأقل لمدة شهر، حتى تمكن محاميه من تحديد مكانه والإثبات للقاضي بأنه لا يوجد أي دليل ضده.