حسن جوان
في إحدى نواحيه, تكمن أهمية كتاب” رباعيّات الخيام” للشاعر والباحث العراقي محمد مظلوم, الصادر عن منشـورات الجمل مـؤخراً, في أنه يعرض” ثلاث ترجمات عراقية رائدة” لرباعيات الخيام مجتمعة في كتاب واحد, ومقدمة بدراسة مقارنة تشتمل على معلومات قيّمة حول تاريخ ومصادر هذه الرباعيات الشهــيرة. قدم الباحث تفصيلات حول تمايز كل ترجمة بقرينتها العراقيـة أو نظائرها العربية, ونبذة عن صاحبهـا وميولـه اللغـوية. وهي ترجمات لكل من الشعراء أحمد الصرّاف وجميل صدقي الزهاوي وأحمد الصّافي النجفي، كذلك عرض لدواعي اختيار البعض ترجمة الرباعيات كقصائد مـوزونة (أوزان موحدة مثل الزهــاوي. أو أوزان متنوعة مثل أحمد الصافي النجفي) أو عبر اعتماد شكل حُرّ خال من الوزن والقافية أقرب ما يكون إلى النثر كمـا في ترجمــة أحمـد الصــرّاف. كما تطرّق لأهمية صاحب الرباعيات الشاعر والعالم النيسابوري الفـــارسي عمر الخيّام الذي لم يحظ شاعر مشرقيّ مثله باهتمام عـالمي ممـاثل .ناهيك عن الجانب المؤسطر لشخصيته الغامضـــة والقلقــة.وما حيك حولها من حكايات وخيالات ترقى إلى عوالم ألف ليلة وليلة في مُناخاتها الموازية في الأدب العربي. ما أدى في القرون الثلاثة التالية لزمن كتابتها, لتعرضها إلى كثير من التــداول الشفاهي والإضافـات التي ضاعفت من عدد أبياتها الأصـــلي بمــا لا يقــاس.ينسب الباحث في مقدمته القصة المشهورة عن أسباب كتابة الرباعيات إلى الخيال الاستشراقي الذي أضفى على حياة الخيام وسيرته الشخصية مزيداً من الظـلال الكثيفــة على حد تعبــيره. فالقصة التراجيدية لمعشوقته الفقيدة, التي كتب على إثرها رباعياته” لا نصــادف أيّ أثر لظلال تلك الحكــاية المزعومـة– في الرباعيـات- والتي من المفــترض أن تكـون حاضــرة فيهــا بقــوة.”ويشير محمد مظلوم إلى مفارقة أن الرباعيات عُرفت في الثقافــات الإنسانية استشــراقياً قبـل أن تُعـرف مشــرقيّاً, وذلك بعد ترجمتهــا من قبل الشــاعـــر الإنكليزي” إدوارد فيتــزجـــيرالــد” في العـام 1859. وقد فاقت شهرة الخيام ورباعياته نظيراتها من الملاحم الأدبية أو القوميـة في التراث الفارسي لما تضمنته من حيوية غنائيــة وحضور لما هو شخصي ويومي للإنسان في محنته وأفـراحه كـذاتٍ قلقة ومنفعلة إزاء أسئلة الوجـود وسـيرورة العــالـم.