رحيل الطالباني وفرص حل الأزمة العراقية

رحيل الطالباني وفرص حل الأزمة العراقية
آخر تحديث:

د. ماجد السامرائي 

جلال الطالباني كان له دور مؤثر في الحركة الوطنية العراقية والحركة القومية الكردية، كانت مواقفه مثيرة للجدل وعلاقاته الإقليمية والدولية أشرت على أكثر من علامة استفهام.استفادت المعارضة العراقية من الكاريزما التي امتلكها داخل الأوساط السياسية الكردية والعراقية قبل عام 2003 فاستطاع أن يسحب قوى المعارضة من هيمنة أجهزة المخابرات الإيرانية والسورية وتسليمها للأميركان بعد أن امتلكوا مشروعاً جاهزاً لإزالة نظام صدام حسين، رغم كل ما قيل عن مواقف جلال تجاه ذلك النظام خصوصا في مرحلة المفاوضات التي قطعتها خلافاته الدموية مع مسعود البارزاني، أواخر الثمانينات من القرن الماضي، ودخول الجيش العراقي أربيل عام 1996 منقذا لمسعود من هيمنة الطالباني على كامل أرض كردستان.

برحيل جلال الطالباني تنتهي حقبة سياسية مهمة من سياسة التوافق بين المنتفعين ومتقاسمي نهب العراق من السياسيين الشيعة والأكراد وبعض السنة، كان الطالباني عراب الشراكة الطائفية التي ماتت بوفاته.

ولعب أدوارا مهمة في إطفاء الكثير من الحرائق داخل العملية السياسية الهشة وبقي محافظاً على الخيط الرفيع الذي حماها من الانهيار بما يمتلكه من قدرات في تغطية مر العلاقات بين السياسيين ومصالحهم بعسل لغته وسلاستها، حتى كان يبدو في جلساته مع العرب السنة أكثر حماسة للعروبة منهم، وحين يجلس مع القيادات الشيعية يبدو أكثر شيعية منها، خصوصا أنه ظل على علاقاته العميقة مع طهران حتى وفاته، وانتقلت هذه الروابط السياسية إلى زوجته هيرو خان ابنة السياسي المعروف إبراهيم أحمد شريكته في النضال الطويل، وصاحبة المكانة التاريخية في الحركة الكردية ما يضعها بعد رحيل زوجها في شوط المنافسة على قيادة الاتحاد الوطني وسط اشتدادها من قبل قادة آخرين لديهم طموحات احتلال المركز الأول في مرحلة خطيرة بعد الانقسامات العديدة، ومن بينها خروج برهم صالح بكتلة تيار سياسي جديد وتشكيل ما سمي مركز القرار في مواجهة هيرو خان المالكة لمفاتيح قوة هائلة في السليمانية وداخل أربيل.

وكذلك تتجه الأنظار إلى كوسرت رسول النائب الأول لجلال الطالباني، الذي له نفوذ هائل في المواقع العسكرية والاستخبارية الكردية. والكثيرون يقولون بأن الأزمة الحالية بين بغداد والأكراد لم تكن لتحصل لو كان الراحل جلال موجودا.

عبر مسعود البارزاني عن يأسه فذهب إلى خيار الاستفتاء على الاستقلال، ويبدو أن حساباته السياسية لم تكن دقيقة، ولعل من سهّل عليه المهمة قد ورطه بهذا المنزلق في هذا الوقت بالذات والذي يعني تراجعه عنه اهتزازا لزعامته ووصولها إلى حافة الهاوية، فالشعارات القومية وتجييش المواطنين حولها لا يبنيان قرارات سياسية صائبة، وتاريخ اندفاع صدام حسين بقراراته بدخول حربي إيران والكويت شاهد على ذلك.

ولم تعد قصة حق تقرير المصير تنفع سياسيا في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها العراق داخليا وفي محيطه الإقليمي والدولي. فالوضع السياسي الداخلي وصل إلى مرحلة سيئة من تسلط القوى المتطرفة على القرار السياسي الشيعي الحاكم وعدم قدرة رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يحاول الوقوف بالوسط على إيقاف برامج التدمير البشري والبنيوي للعرب السنة.

التصعيد الحكومي والبرلماني في بغداد رغم انطلاقه من معطيات وطنية فإنه قد يقدم خدمة تكتيكية لسد ثغرات الانهيار المتوقعة للعملية السياسية بعد انتهاء مرحلة الحرب على داعش، إلى جانب حسابات القوى الشيعية المتطرفة للاستفادة من المعركة السياسية الحالية لترصين قواها في المنافسة حول الانتخابات المقبلة.

ولعل محيط العراق الإيراني والتركي وما يحمله من ملابسات ساعد العبادي على تصعيد نبرته ضد البارزاني، ومنحه قدرة سياسية يضاف إليها دعم المرجعية الشيعية لمواقفه من قيادة البارزاني. فتركيا وإيران اجتمعتا رغم خلافاتهما لمواجهة خطر قيام دولة كردية مجاورة فذلك سيؤدي إلى انهيارات غير متوقعة داخل البلدين. ولهذا سارعا إلى وضع ترتيبات لعقوبات اقتصادية والتلويح بالحرب على إقليم كردستان.

تركيا رغم منطلقاتها القومية في الدفاع عن تركمان العراق إلا أنها أكثر خشية من إيران على وضعها الأمني الداخلي، ولهذا فهي لا تقايض هذه القضية بعشرات المليارات من الدولارات حصيلة علاقتها الجيدة بكردستان العراق، وإيران حريصة على امتلاك كل العراق وبسط نفوذها الكامل عليه وليس على الجزء العربي منه فقط، بعد اطمئنانها على سحق العرب السنة فيه. فموارد نفط كركوك مهمة عندها لأسباب اقتصادية وإستراتيجية في نزاعها الحالي مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وداخل مناخ هذه الأزمة مع قيادة البارزاني والتي وسمت الحياة العامة في عموم كردستان بحالة من القلق، تدور أفكار ومواقف داخل الأوساط الكردية والعربية تدعو قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس لقيادة البارزاني إلى أخذ زمام المبادرة ووضع حلول جذرية للخروج بحلول غير انفصالية عن العراق، تراعي المطالب الأساسية وحقوق شعب كردستان، وتعمل على تقديم برامج سياسية موجهة للأكراد والعرب في العراق.

نحن نعرف ما تعيشه قيادات هذا الحزب من صراعات منذ مرض جلال الطالباني وحتى وفاته، لكن ذلك لا يمنع أصحاب النفوذ داخل المكتب السياسي للحزب من التحرك بهذا الاتجاه وخصوصا المكانة التي تحتلها زوجة هيرو خان داخل الأوساط الكردية والسياسية العراقية واحتفاظها بمكانة خاصة إقليميا خصوصاً مع إيران، إلى جانب مكانتها الدولية.

إن قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني وبسبب تأثيرات الراحل جلال لديها وعي سياسي ومواقف تجاه عرب العراق أكثر انفتاحا من قيادة البارزاني الذي استطاع استثمار مكانته الاعتبارية برئاسة الإقليم للنشاط الإقليمي والدولي كممثل للأكراد، وهذا ما لم تشتغل عليه قيادة الاتحاد الوطني التي ظلت منغلقة ولم تتحرك على المستويات السياسية والإعلامية، خصوصاً في السنوات الأخيرة التي كانت تتطلب منهم فتح قنوات التواصل مع الشخصيات الوطنية العربية العراقية لإنضاج مشروع وطني عراقي تخلف الاتحاد الوطني عنه لأسباب يقولون إنها لوجستية ومالية، في وقت اشتغلت بعض قيادات هذا الحزب لتسويق نفسها عراقياً ولدى بعض الأوساط الدولية من مراكز بحوث ولوبيات لم تصل إلى مرحلة التأثير المهم، في وقت تتحرك قيادة التغيير (كوران) بعد رحيل زعيمها نوشيروان مصطفى للوثوب إلى رئاسة كردستان شعورا منها بأنها تمتلك شعبية كردية واسعة منافسة لزعامة البارزاني، إلى جانب النشاطات الملفتة للقيادات الإسلامية الكردية التي تحاول استغلال طبيعة الشعب الكردي المحافظة لكي تأخذ مكانة متميزة في الساحة هناك.

ورغم خلو الساحة من شخصيات تاريخية تملأ مكان الراحل جلال فإن ذلك لا يمنع من أن تبادر قيادة الاتحاد الوطني، وخصوصا هيرو خان، بإقامة تحالف سياسي كردي عربي تركماني عراقي يتحرك لإدارة الأزمة الحالية مع بغداد والوصول إلى فهم عراقي مشترك يتجاوز الوضع الطائفي، ويعمل على تعديل العملية السياسية ودستورها الذي كان تعبيراً عن شراكة انتهت يوم الاستفتاء.

هناك مبادرة فردية لنائبي الرئيس إياد علاوي وأسامة النجيفي تحاول بحث حل عراقي، وهو احتمال ضعيف لأن الحلول إقليمية ودولية، لكنها لا تقدم مشروعاً لتغيير جذري بواقع العملية السياسية إضافة إلى عدم قبولها من جانب القوى الشيعية التي تعتقد بأنها تأخذ زمام المبادرة من أيديها.

الفرصة أمام الخيرين من سياسيي العراق داخل العملية السياسية أو خارجها لأن يتحلوا بالجرأة خصوصا داخل القيادات الشيعية للتخلي عن جميع قواعد تلك العملية التي أضرت بوحدة العراق واستقلاله، وأن يعملوا على وضع ترتيبات جذرية للخروج من المأزق الحالي ابتداء من التعديل الكامل للدستور الذي كان عنواناً لشراكة السلطة بين الشيعة والأكراد وخرب العراق ووضع مقدمات تفكيكه وتقسيمه، وكذلك وضع قواعد النظام السياسي القائم على المواطنة والعدالة من دون تمييز طائفي وعرقي.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *