رداءة الشعر بين الخطابية ووهم التجديد

رداءة الشعر بين الخطابية ووهم التجديد
آخر تحديث:

د. حسين القاصد

هيمنت حرفة الاستجداء على الشعر ، وكلما حاول الشاعر التجديد وقع في فخ الخطابية التي يوجبها الشعر السياسي ويقتضيها لموضوعاته ، وفي القرن العشرين كانت السياسة  من أوليات هم الشاعر ، ومن هذا لا نستغرب ان نجد المستر كراين، يدخل باسمه الكامل في أشعارهم، وهو ما فعله معروف الرصافي، حيث أدخل الرصافي (كراين) ضمن البيت الشعري، وقال: “المستر” بدلا من تعريبها إلى “ السيد “ مع أن استبدالها لن يضر الوزن في شيء:

يا محب الشرق أهلا بك يا مستر كراين
وقد كرر الشاعر لفظة “ كراين “ خمس مرات في إلحاح ليس منه الا ارضاء الممدوح على حساب البناء الفني للقصيدة ، ثم يزج الشاعر بـ (ولسن ) ويجمعه على  “ولاسن «:
لم يكن ولسن فردا ان في الغرب ولاسن
وهي محاولة من الشاعر لجعل اسم “ ولسن “ صفة لكل محتل وظالم وكل مستهجن ؛ وقد يظن الشاعر انه أبدع في توليد صفة مستهجن كي يصف بها من هم على شاكلة ولسن ، لكن الأثر السياسي واضح ، لأنه قال : “ في الغرب ولاسن “ كي يبث شكواه الى كَراين “ محب الشرق” ، وقد تكررت لفظة ( ولسن )  ـمرات عدة .  
ولا أجد مسوغا لأن يقوم الشاعر بذكر اسم الشخص، فهو لا يحقق جناسا ولا انزياحا في الصورة، كما في الأسماء العربية، مثل ما فعل الشعراء في مدح عبد الكريم ومناداته بـ (كريم) لتحقيق الاسم والصفة معا؛ وكذلك مراهنة الشعراء على اسم (أحمد) ومعانيه ودلالاته، حين مدحوا أحمد حسن البكر. 
فضلا عن قيام الشاعر بتحريك الحرف الأول من (كراين ) ، وهو ساكن لأن بعض اللغات الأجنبية لاسيما اللاتينية تبدأ (بساكن ) ، على عكس ما هو في العربية التي تبدأ بمتحرك ، مع استحالة البدء بساكن . 
وليس بعيدا عن الرصافي ، قول عبد الحسين الأزري في رثائه للشريف حسين:

لقد كانت مؤامـــــــــــــرة تولى بها نصب الحبائل مكماهونا
مآسي لا تزال وسوف تبقى تذكرنا الخديــــعة لو نسيـــــــنا
والبيتان ليسا أكثر من خبر، 
مفاده أن مكماهون قام بمؤامرة، ولم يلتزم بالمواثيق؛ وهما من دون “مكماهون” ليسا من الشعر في شيء، وحين جاء الشاعر بمكماهون وجعله فاعلاً ثم أعطى النون ألف إطلاق دون مسوغ ولا ضرورة شعرية، فإنه مارس من التعسف اللغوي الشيء الكثير.  ولو كان الشاعر بصدد رسم صورة مميزة، لا يتسنى لها ان تتم دون “ مكماهون “ لعذرناه، لكن هيمنة التقرب من السلطة هي التي فرضت هذا التعسف الذي أصاب الشعر، لأن الشاعر حين يذكر مكماهون، سوف ينتصر للشريف حسين وللجمهور الذي يحبه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *