يرتبط تحديد أي مفهوم من المفاهيم المسرحية النقدية ، بمدى الاطلاع المُباشر على جميع الجهود الترجماتية لهُ والمُقاربة أيضاً ، فضلاً عن مدى مصداقية تعريب المُصطلح وجعلهِ مُتوافقاً مع المفهوم الأصلي ، وهذا كُلهُ قادَ الى وجود اختلافات واضحة في ترجمة المُصطلح الى العربية واستخدامهِ لتوصيف مُمارسة مسرحية ما من قبل المسرحيين العرب مما قادَ لاحقاً الى اشكالية في التوصيف النقدي، وهذهِ واحدة من أخطاء الترجمة بوصفها خيانة للنص الأصلي رُغمَ الأهمية التي تتمتع بها عملية الترجمة بوصفها أحدى الوسائط لأنها تقوم وفقاً لأرمان وميشال ماتلار في كتابيهما (تاريخ نظريات الاتصال ) ، بفعل وسائطي مشهود فالمُترجم ناقل نصوص وأفكار ومُعتقدات من لغة الى أُخرى ومن مجال ثقافي الى آخر وهوَ بذلك أحد الوسائطيين الأكثر رسوخاً في ذاكرة الثقافات وتحولاتها التاريخية ، فالاطلاع من قبل المسرحيين العرب على جميع التطورات والتحديثات والتيارات والاتجاهات النقدية في المسرح حولَ العالم وقراءتها باللغة العربية يعود بالإساس الى جهود المُترجمين العرب الذين تقف خلف اختياراتهم لترجمة هذا الكتاب أو ذاك ، مواقفهم الفكرية أو مرجعياتهم المعرفية وهذا الأمر بديهي ولولا تلكَ الجهود لم يتوفر هذا الاطلاع على تلكَ التطورات ، وثمةَ فرق شاسع بين الدراس والباحث الذي يقرأ الكتاب بلغتهِ الأصلية وينتقي ما يشاء منهُ وبين من يطلع عليهِ عبرَ الترجمة بوصفها وسيطاً .وفي مجال توصيف « الرقمية « في المسرح أو « رقمنة « المسرح ، من قبل الباحثين العرب ، ثمةَ خلل بنيوي دأبَ على تكرارهِ ، عدداً من المسرحيين العرب ، عبر إجتهادهم بالتعاطي معَ هذا التوصيف ولإدخالهِ حيزَ المُمارسة النقدية ، في مقابل إحالة بعض المترجمين لمفردة « Digital « الى “ الرقمي “ وهي خلاف ذلك ، فـ”الرقمية” في معاجم العرب هي إسم مؤنث منسوب الى رقم ومجموعهُ أرقام ، والرقمنة تعني عمليات تحويل البيانات والمعلومات إلى شكل رقمي ، وهي لغة تُعدُّ خصِّيصًا طبقًا لقواعد معينة لتستخدم في الحاسبات الإلكترونية كوسيلة للعمل بها ، فأنتجَ الباحثون المسرحيون وجُلّهُمْ لا يُجيدونَ غيرَ العربية ، إشكالية توصيف جميع إستخدامات الميديولوجيا «الوسائطية» وتوظيفها جمالياً وفكرياً في المسرح بـ»الرقمية» من قبيل التقنيات الرقمية ورقمية المسرح بشكل عام ، ووفقاً لمعجم Oxford الأنكليزي بنُسختهِ 9 ، فأن Digital هو نظام استقبال وإرسال المعلومات كسلسلة من الأرقام كالواحد والصفر ، تُبين بأن الإشارة الكهربائية هُناك موجودة أو غير موجودة . أما Digitalization فهي عملية تغير البيانات الى شكل عددي يتجزأ ويتحول بسهولة من قبل الكومبيوتر .
الوسائطية
تُعتبر تمظهرات الثقافة المُعاصرة على اختلاف أنواعها ومنها المسرحية واختلاف تأثيرها الواضح في الفكر الإنساني والتي وسمَتْ عصرنا الحالي ، ذات حضور محوري للميديولوجيا “الوسائطية “ (وليست الرقمية) بمُختلف أشكالهِا وأنواعهِا ودورهِا في حياة المُجتمعات البشرية حينما تحولَتْ الى قوة فكرية قائمة بذاتها فقد عَرَفَ عصرنا الحالي ، تحولات سريعة ومُتسارعة في جميع المسارات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية …. وغيرها ، ولعلَ أبرز تلكَ التحولات هي الثورة الهائلة في مُجمل الاستخدامات التقنية للوسائطية (وليست الرقمية) على اختلافها حينما دخلت الى جميع المسارات الحياتية مما نتجَ عنها سيادة الوسائطية بشكل واضح في مُختلف مناحي الحياة البشرية عبرَ تراسل المعلومات ونقلها السريع أو في تحول تلكَ الوسائطية الى قوةٍ فكريةٍ قائمةٍ بذاتها وهوَ ما عُنيتْ بدراستهِ “الميديولوجيا” من خلال إبراز الدور المحوري للوسائط على اختلافها في عصرنا الحالي الذي باتَ يُعرفْ بعصر سيادة الوسائط ، وبالتالي شَهِدَتْ هذهِ الوسائطية بأنواعها المُختلفة (وليست الرقمية) حضوراً واضحاً في الفكر البشري والثقافة الانسانية ومنها المسرح الذي شَهِدَ استخدامات عدة للوسائط بمُختلف أنواعها ، وهذا يُبرزْ تمظهرات الميديولوجيا في المسرح عموماً . فتوظيف الوسائطية (وليست الرقمية) جاءَ بشكل ينسجم مع تمظهرات هذا العصر واستجابةً لمُتطلبات العرض المسرحي المُعاصر الذي وَظفَ جميع الوسائط داخل فضاءهِ الدرامي بُغية إكمال تلكَ المُتطلبات ، أن استخدام الوسائطية (وليست الرقمية) ومنها الوصلات الإشهارية التي تُروج لهُ وأثناء العرض وكذلك الشاشات الافتراضية وجهاز الكومبيوتر والفوتوغرافيا ورسوم Animation ومعالجة الوصلات الفيديوية والسينمائية والوسائط المُتعددة والتشكيلات البصرية المبثوثة على الشاشة الافتراضية التي تُستخدم في العروض والاجزاء الكرافيتية والوصلات السينمائية والترجماتية التي يتم توظيفها ، ينبغي أن تُحافظ على حيوية العرض المسرحي التي ميزتهُ عن باقي الفنون عبر العصور بوصفهُ الفن الوحيد الذي يتمتع بميزة الفرجة الحية الآنية ، وحيوية العرض المسرحي في عصرنا الحالي يعود الى توظيف واستخدام الميديولوجيا.