زعامات فردية تُسقط الدولة

زعامات فردية تُسقط الدولة
آخر تحديث:

بقلم:فلاح المشعل

الدولة الفاشلة يهيمن فيها الفساد بأنماطه المتعددة، وتحت مظلة الفساد ومنظوماته السرية يختفي دور المؤسسة ويبرز دور الفرد أو النخبة الغاطسة التي تصوغ عمليات الفساد الإحرائية كما تكشف ذلك التجربة العراقية في عملية تفكيك الدولة، فأنت لاتتعاقد مع المؤسسة أو الوزارة، وإنما مع المدير العام أو الوزير أو الشلّة التابعة له، أما الاعلان عبر الموقع الالكتروني للدائرة أو اسلوب المناقصات والعروض فهي لاتتعدى الغطاء أو المظهر الشكلي .

تنامت ظاهرة التفكك لسياقات الدولة حتى بلغت أعلى المستويات في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية للعراق، فحين تتحدث عن قرار سياسي عراقي أو تنصيب رئيس للوزراء أو تشريع قانون عن البرلمان، ينبغي أن تحصل على موافقة عشرة اشخاص هم قادة الاحزاب والكتل من الشيعة والاكراد والسنة .!

بمعنى سقوط السياق المنطقي الذي تستدعيه القواعد الدستورية وقوانين الدولة ومصالح الوطن، لأن المصلحة الحزبية _ الشخصية عادة ماتتقدم متقدمة على أية مصلحة أخرى وفق مبدأ المحاصصة، لهذا غالبا ماتتأخر الإتفاقات بشأن اختيار الوزراء أو المدراء العامين، دون اكتراث لفراغ المنصب وماينتج عن هذا الفراغ من اضرار .

تكريس دور الفرد (الزعيم) للحزب أو المؤسسة مقابل تفكيك قواعد عمل الدولة وشروطها، خلق متغير في المناخ السلوكي والاخلاقي للأفراد والمجتمع النخبوي، فتلك النخب السياسية والفكرية والثقافية التي ينتظرها الشعب للنهوض بدور قيادي يشكل التضاد النوعي لمرحلة إنحطاط النظام والطبقة السياسية، تسربت نحو مدارات الفساد بدوافع الإستئثار والمنفعة الشخصية واغراءات المنصب ومكاسبه المتعددة والتدفقات المادية التي لاتقاوم وتقوض مبدأ النزاهة والأخلاص الوظيفي حتى بلغت أكثر المناصب طهرية كما في بعض دوائر النزاهة والقضاء والصحة .

إرادة الفرد البديلة عن الدولة ومعاييرها الوطنية المتصلة بالكفاءة والاستحقاق المهني، صار يجذب الانتهازيين الذي تزايدت اعدادهم في ظل ثقافة الفساد وسلطته، فتجد هذه الشخصية التي تعارف عليها الوسط بكونها تختص بحانب علمي او ثقافي، يرتضي أن يكون وزيرا او مدير عام لكن عمله وقرارات الوزارة الدائرة بتوجيه مدير مكتبه الذي يعينه زعيم الحزب أو التيار ، وبالنتيجة ليس من المهم ماذا تنجز الوزارة والدائرة من مهام تخص المجتمع، وإنما رضا زعيم الحزب أو الميليشيا التي تنصبه .

تفكيك سلطة الدولة وبروز سلطة الفرد يتجلى في جميع المؤسسات والدوائر العراقية بما فيها المؤسسات الأمنية، هذا المنهج دفع مؤسسات الحكومة بجميع تدرجاتها الوظيفية للانفتاح على مديات فساد أخرى أقل مستوي من فساد الكبار، لكنها تنخر بهياكل الدولة وتنهي السياق القانوني والاخلاقي في التعامل مع الوظيفة وتعلو من شأن الفرد _ الفساد .

منهجيات تفكيك الدولة واعتماد قرار الفرد الحاكم ورغباته، نشأت على نحو تدريجي في عامي 2005-2006 وتحت أغطية الديمقراطية والدولة المدنية وبقية مفردات الخداع السياسي والطائفي، وتنامت حتى شكلت في عام 2010 وما بعده منظومة تحكم السيطرة على البلاد .

بوقت متأخر تنبه المسؤول الحكومي المستقل وكذلك المراقب السياسي لظاهرة اللادولة التي تتحكم بشؤون البلاد، بينما هي التوصيف السياسي لظاهرة الدولة _ الفرد التي تشكلت وفق مايسمى التوافقية سيئة الصيت، وهي ترجمة لمصطلح الدولة العميقة وصورة جلية للدولة الفاشلة .

الدولة_ الفرد تسقط مع سقوط أو هزيمة الفرد، لأنها غير قادرة على الدفاع عن كيانها بسبب افتقادها لعناصر القوة والإيمان والاسناد الشعبي، تسقط بعد أن تُرسخ ظواهر مدمرة للمجتمع، وأقلها ظاهرة الفساد الوبائي في سلوك النخب الثقافية والسياسية التي صرنا نراها تصطف مع بقية ظواهر الفساد في اللادولة العراقية .

*مجتزأ من دراسة تنشر لاحقا .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *