تحالف انتخابيا مع الشيوعيين ..ثم همش الشيوعيين ليتحالف برلمانيا مع ائتلاف الفتح … ثم وبدون اخذ راي الفتح والشيوعيين تحالف ثالثة مع ائتلاف النصر … هذه باختصار ابرز المواقف التي تبناها التيار الصدري قبيل وبعد الانتخابات النيابية في العراق , وهي بطبيعة الحال مؤشرات لا تعطي انطباعا ايجابيا لدى المراقب لما ستؤول اليه الحالة الديمقراطية في العراق بعد تشكيل الحكومة المقبلة .من بديهيات السياسة أن لا فرق بين دكتاتورية فرد ودكتاتورية حزب او مجموعة , فكلاهما يؤدي بالضرورة الى الفساد الاداري والمالي الذي طالما انتقدهما التيار الصدري , واعتمد عليهما في شيطنة جميع من سبقوه في السلطة منذ الالفين وثلاث ولغاية يومنا هذا . وبذلك استطاع حشد الشارع العراقي خلفه والحصول على اصواته في الانتخابات الاخيرة . والسؤال المطروح الان … هل ان مواقف وتصريحات التيار الصدري بعد اجراء الانتخابات تعطي تطمينات للاخر ( الاطراف السياسية او الشارع العراقي ) بانه سيكون مختلفا عمن سبقه في ادارة الدولة العراقية بعد الالفين وثلاث ؟
للجواب على هذا السؤال علينا اولا ادراك البنية الفكرية التي يتبناها التيار الصدر , والذي يؤمن مفهوم (المرجعية الدينية) الذي يتجاوز المنظور الديني الى التفاصيل الدقيقة في حياة المقلدين لها , مما يعتبر بيئة مهيئة تماما لنمو توجهات دكتاتورية اذا ما تطفلت ودخلت الجانب السياسي , سواء في التقيد بخطوطها الحمر وعدم تجاوزها في اتخاذ القرارات , او في فرض رؤيتها السياسية على الاخر باعتبارها رؤية مقدسة او تقترب منها . وبمتابعة بسيطة لتعامل الصدر مع مقلديه في الشارع العراقي , تتجلى في تعامله الاستعلائي مع اتباعه , والنظر اليهم من زاوية الوصاية . وقد ظهرت بوادر الرغبة في الوصاية على الشعب العراقي واطرافه السياسية مباشرة بعد فوز ( سائرون) في الانتخابات الاخيرة , بالحديث عن (الحكومة الابوية ) بما يحمله التعبير من نظرة فوقية للاطراف السياسية . رغم ان مفهوم الحكومة الابوية قد يفسر من زاوية استيعاب جميع الاطراف والمكونات العراقية والتعامل معها على سواء , الا ان السلطة الابوية تعني من زاويتها الحقيقية النظرة الارشادية للاخر ووضع الذات الشخصية والحكومية في مرتبة اعلى من الاخرين , وصبغ قراراتها السياسية برداء القدسية الابوية , دون ان يكون هناك لاحد حق الاعتراض . وهو مبدا لا يختلف كثيرا عن مبدا الاخ الاكبر الذي مارسته الحكومات العراقية قبل الالفين وثلاثة .
ما يزيد من الطين بلة في حالة التيار الصدري هو ان حكومته الابوية ستكون عبارة عن ثلاث حلقات متداخلة مع بعضها ….. الاولى… حلقة الحكومة التي ستكون ابوية بغض النضر عمن يتراسها , والثانية حلقة المرجعية المرشدة لتلك الحكومة ( الابوية) .. فان كانت للحكومة الاب الحق في معاقبة من تراه عاقا من اولادها من الاطراف السياسية , فان للمرجعية الاب حق المعاقبة الالهية لمن يخالفها وتاليب جميع الاطراف الاخرى عليه بالاستناد الى الحق الالهي ..وعليه فان تهميش التيار الصدري لحلفائه المفترضين من الشيوعيين او الفتح او النصر لا يعتبر امرا مستغربا في ظل هذه الرؤية .. فالكتلة الاب ( الفائزة) لها الحق في ان تتحالف مع اي كتلة تراها مناسبة دون اخذ استشارة حلفائه الاخرين .
اما الحلقة الثالثة التي يضرب التيار الصدري على وترها منذ الالفين وثلاثة ولغاية يومنا هذا قهي الحلقة القومية التي يحاول مزجها مع الرؤية الدينية التي يتبناها , مما يسهل عليه ممارسة ثنائية القومية والدين بنفس الازدواجية التي مارستها الاحزاب القومية العربية لكن في الوجه الاخر للمرآة , وبالتالي فسيكون الطرف الاصعب في التعامل معه سواء من قبل المكون السني او المكون الكوردي , وسيتفاعل مع الواقع السياسي العراقي مستقبلا من خلال هذه الحلقات الثلاث للتفرد بالقرار السياسي , مستفيدا من التناقضات بين المكونات القومية او المذهبية او السياسية , ومن خلال هذه الثلاثية يمكن له تحييد اطراف سياسية كثيرة منافسة له سواء من المكون السني او الكوردي او حتى الشيعي .
ان الوضع الحالي في العراق لا يتحمل توجهات الوصاية على الاخر , سواء كان هذا الاخر شيعيا ام سنيا , عربيا او كورديا او علمانيا , فقد دفع العراق ثمنا باهضا لمثل هذه التوجهات الاستعلائية ولا يزال , وفي تصوري انه ان الاوان لمن يتسلم الحكومة القادمة ان يعي الواقع العراقي بكل تعقيداته ويحاول تحقيق مكسب فشل السابقون جميعا بكل توجهاتهم في تحقيقه .