هاشم العقابي
مثلما تسمعون بإنسان ذي فكر حر، أي لا يرى أن ثمة سلطة، مهما كانت، أكبر من أن ينتقدها، فهناك إنسان آخر ذو فكر عبد. الأول هو من يستحق صفة مثقف لأنه لا يخضع لقواعد تفرض عليه ما يقول أو يفعل. أما الثاني فلو كتب قبل اسمه سبعين لقباً علمياً يظل يضحك على نفسه بادعائه الثقافة.
البارحة دخلت في حديث على “الفايبر” مع صديق شاعر أحب شعره واحترم ثقافته. قال لي، دون أن أساله، انه فرح جدا باندحار داعش في كوباني وإن بداخله قصيدة عن انتصار الكرد هناك، لكن. ولماذا لكن؟ سيقولون عني إني قبضت من الكرد وستنهال عليّ الشتائم من كل صوب. وبعدين؟ ألغيت الفكرة. يا خسارة. ظننتك شجاعا يا فتى. أمثالك صار يداري عقول المتعصبين يا أجمل شاعر! كم من شعرائنا ومثقفينا يخضعون لهذا النوع من إرهاب الشتامين والمتقولين الذين خربت عقولهم العنصرية وتمكنت من ضمائرهم أمراض الطائفية؟ لا أقول عن صاحبي انه مثال لأصحاب الفكر العبد بل الخائف، مع انه بين الخوف والعبودية حد شعرة.
في مقابل شاعرنا العراقي أضع أمامكم ما قاله مفكر عربي حر بالقول الفعل. انه المفكر والكاتب السوداني اللذيذ هاشم صالح. لم يكتب اليوم بعد ان انتصر الكرد في كوباني بل قبل ثلاثة أشهر متوقعا انتصارهم. كتب في جريدة الشرق الأوسط بتأريخ 17/10/2014: “في هذه اللحظات الدقيقة بالذات أود أن أوجه تحية خاصة إلى الشعب الكردي البطل الذي يدافع مستميتاً عن كوباني الشهيدة في وجه الهمجية الظلامية السوداء. إنه لا يدافع عن نفسه فقط وإنما عنا أيضا، عن شيء يتجاوزنا جميعا والذي لا معنى لأي حياة من دونه: مبدأ الحرية والكرامة الإنسانية والإيمان المستنير على وجه هذه الأرض”. لو كان عنصريا أو مؤدلجا لأصبح عبدا ولما انطلق بتلك الشجاعة والصدق.
ومثلما يثلج قلبك هذا المفكر بحرية رأيه يحيرك آخر باستعباده لنفسه فلا تدري أتضحك عليه أم تتألم لأجله!
واحد من عشرات الأمثلة شخص حدثتكم عنه مرة يحمل لقبا طويلا عريضا هو “المستشار الأول ومدير برنامج الأمن والدفاع ودراسات مكافحة الإرهاب في مركز الخليج للأبحاث”. استضافته المتألقة نجوى قاسم على قناة العربية أول البارحة لتسأله عن أهمية انتصار الكرد في كوباني ذات الموقع الستراتيجي. رد عليها ببرود عنصري شديد ان لا أهمية سترتيجية لكوباني أبدا! نجوى قاسم من طبيعتها أنها لا تفشّل ضيفها بل تسطره بسؤال واحد لتصحّيه من غفوته. سألته: ان كانت كذلك، فعلام ضحى داعش بكل تلك الخسارات من أجلها. صار يخوط ويخربط وأتاها برد مضحك مفاده ان هناك خلافات بين قيادات داعش حول هذا الأمر. انتقلت به لتسأله عن أهمية الانتصار على الدواعش فرد وكأنه واحد منهم وليس متخصصا بمكافحتهم: ان ذلك ليس انتصارا بل انه انسحاب منظم! يا هنيالك يا داعش على هؤلاء الذي غسلت أدمغتهم العنصرية غسلا. المهم انه أنهى حديثه برجاء لها ان كان ذلك انتصارا فانه يحسب لقوات التحالف وليس للكرد. وهذا هو مربط فرس أفكار العبيد لنوازعهم العنصرية والطائفية. سلام عليك يا صاحب القول الخالد “ويحكم، كونوا أحراراً في دنياكم هذه”.