الدول التي تكوّنت وصارت موجدات كائنة معاصرة مؤثرة في الدنيا , أرادت أن تكون فكانت , ودولنا خالية من إرادة أكون ولهذا فهي لا تكون.وما تحتاجه الدول العربية هو نداء أكون أو قدحتها وصوتها وإرادتها , لكي تتحقق وتنطلق في مشوار دنياها السامق العزيز.فلا يعوز العرب سوى هذا النداء الذي عليه أن يسري في عروقهم وأعماقهم , ويوقظهم من غفلة العدم ومن نومة الكسل والتراخي والقنوط , المساهمة في تدوير دوامات الإنحطاط العاصفة بوجودهم على مدى أكثر من قرن , إستيقظت فيه شعوب الأرض وما إستطاعوا أن يستفيقوا من داء النوام الحضاري الراقد على عقولهم وأرواحهم ونفوسهم أجمعين.
العرب يمكنهم أن يتحققوا ويكونوا وبسرعة فائقة لتوفر العوامل الأساسية للنهوض الحضاري الأصيل , وعليهم أن يدركوا حقيقة جوهرهم , وما عندهم من المصادر والقدرات والثروات الكفيلة بصناعة حاضر زاهر ومستقبل منير وشامخ.
وقد حاول العرب الإنطلاق لكن جذوات إنطلاقهم خبت بعد حين , وقد بدؤوها مبكرا في عدد من دولهم فوضعوا خطواتهم على الطريق الصائب الصحيح , لكنهمٍ إنحرفوا أو توقفوا وتكاسلوا وإنشغلوا بما لا ينفعهم ويضرهم أجمعين.
ومَن يقرأ الواقع العربي على مدى القرن العشرين , تبرز أمامه أسئلة بلا أجوبة مقنعة , فما أصاب العرب لم يكن إلا من فعل أنفسهم , وتداعيات أنظمتهم السياسية الجاهلة المتوهمة بالوطنية والمعرفة القيادية والإقتصادية , فأساءت للزراعة والصناعة والثقافة والتعليم وخربت أكثر مما عمرت , ومحقت وإجتثت أكثر مما أدامت وأضافت لمسيرة الحياة في دولها.
فما تأكد في مصر في الخمسينيات والستينيات تم محقه في غضون عقود , وما أنجز في الجزائر أطاحت به التقلبات السياسية , ومثله في العراق وغيره من الدول العربية الأخرى الفاقدة لقدرات التكاتف والتواصل والإستثمار والإضافات الإبداعية المتراكمة.
فلو أن مسيرة مصر تواصلت لكانت اليوم أقوى من الكوريتين وبموازاة الصين , لكن مصر توقفت وكوريا الجنوبية على سبيل المثال إنطلقت في ثمانينيات القرن الماضي , ووصلت إلى حالة من التقدم والرقاء ما لم تبلغه دولة عربية , مع أنها بلا موارد ومصادر طبيعية.
واليوم يمكن لمصر أن تكون لو تواصلت بمسيرتها الجديدة لعشر سنوات قادمات , ومضت في مشاريعها التنموية بعزيمة وإبداع وثقة وإيمان بالقدرة على الإنجاز؟
وأية دولة عربية يمكنها أن تنطلق وتكون في ظرف عقد من الزمان إذا إعتمدت العلم والعمل , وإبتعدت عن الهرطقات العقائدية والأضاليل التي يصدح بها ذوي العمائم واللحى , ومَن لف لفهم من المرائين والمنافقين المتاجرين بالبشر والدين.
نعم إنه العلم والعمل وبه يمكن لأي مجتمع أن يكون , ويمكن للعرب أن يكونوا مثل أية دولة متقدمة في الدنيا , بشرط توفر القيادة الواعية الوطنية التي تؤمن بالشعب وتتمتع بالنزاهة والمسؤولية.
فالشعب يريد أن يكون وعليه أن يبني نظاما سياسيا متوافقا مع إرادته التواقة للتعبير عن كينونته الخلاقة المعاصرة.فهل من نهضة تطيح برموز الإنحطاط والإنحلال العربي الفتاك؟!!“وما نيل المطالب بالتمني…ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا”!!و”مَن جدّ وجد , ومَن زرع حصد”!!و “مَن سار على الدرب وصل”!!