الغبطة والسرور والفرحة.. مفردات افتقدها العراقيون عقودا طويلة، حتى أنها باتت نسيا منسيا، وقطعا ما كان هذا يحدث لولا فعل فاعلين مروا على دست الحكم، انتهجوا سياسات مدروسة، كانت الغاية منها وضع العراق في خانة بعيدة كل البعد عن ركب الأمم، ونائية عن مسيرة التقدم والحضارة التي تخطو بها بلدان العالم بخطوات حثيثة.
وما يؤلم في الأمر أن العراقيين يعومون على بحر من النفط، يؤهلهم لعيش حياة يحلم بها سكان مشارق الأرض ومغاربها، إلا أن (ساعة السودة) لم تكن بعيدة عن حظهم، فالفرحة كانت بمرصاد سلاطين وحكام تربعوا على أس الحكم وأساسه، ليترأسوا إدارة البلاد بمناهج كانوا قد فصّلوها على مقاسات القتل والدمار والسرقات، فكان الناتج عين ما خططوا له ورسموا اليه، فانزلقت الفرحة في دهاليز السجون وعلى أعواد المشانق، وما نفذ من الأفراح فقد نفذ بجلده، متأبطا حقيبة سفر وهجرة أبدية خارج حدود وطنه، حيث التغرب والشتات والفراق وأحيانا.. الضياع، فضاعت الفرحة مع الضائعين.
بعد عام 2003 كان العراقيون قد حلموا بأفق جديد لحياتهم، مغاير لما قيدهم فيه طاغية عصره، فراحوا يرسمون الفرحة ويخططون لها كأول خط من خطوط المواجهة مع الحياة الجديدة، فما دامت الديمقراطية هي الحكم الحاكم في بلدهم، ومادامت الفدرالية هي سياسة البلد الجديد، ومادامت الاتحادية تظلله تحت رحمة الاستقلالية والسيادة التامة، يكون من المؤكد كتحصيل حاصل أن الفرحة أول جني يهنأ به العراقيون، وأدنى قطاف يمرأون به، وستغدق عليهم الحكومات الجديدة حتما من الأفراح مالذ وطاب، وسيكون بمتناول أيديهم كل ماكان ممسوكا عليها من الوصول اليه، وكيف لا..؟ والحكومة منتخبة، وقد ولدت بعد مخاض عملية انتخابية نزيهة شفافة، ولم تفرض على المواطن بقوة الرصاص والبطش كما فرضت في عهد السابقين، كما أنها “منا وبينا” وليست علينا كالنظام البعثي الدموي، وعلى أساس كهذا يفترض أن يرفل العراقيون بالفرح، وأن يعيشوه بتفاصيله، وينعموا به على مدار أيامهم وسنينهم.
هكذا كان حلم العراقيين وتوقعهم واستنتاجهم قبل ستة عشر عاما، لكن، يبدو أن غربال المحاصصة لم يكن متينا بما يمنع مرور الـ (دغش) فقد نفذ من خلاله كثير منه، فتبدد الحلم واستحالت الفرحة المرجوة الى بؤس وشقاء وموت وتهجير وتفجير وفساد عم البلاد، وسحق ملايين العباد.
فبسياسة التحاصص، التهمت أفواه الأحزاب أفراح الناس جملة وتفصيلا، وأتت نيران الكتل على يابس الفرحة ونديّها، وكأن القسم الذي ردده ساسة البلد، يلزمهم على اتباع سياسة الأرض المحروقة، الخالية من مباهج الحياة، وهاهم قد برّوا بقسمهم، وحاشاهم من الحنث به. فلو قلبنا الماضي لفاض علينا أنهارا من الحزن، مازال روجها عاليا في حاضرنا، بل قد علا منسوبه حدا فاق المعقول والمقبول. فبالأمس قالت أنوار عبد الوهاب (من عمري سبع سنين وگليبي مهموم) وشاطرها القول قحطان العطار حين قال: (يگولون غني بفرح وآنه الهموم غناي)، ولم يكفّ الخلف بعد السلف من النوح والتشكي والتظلم حتى يومنا هذا، فهل أضحت الفرحة عملة ساقطة في عراقنا؟ وهل يعقل أنها اختفت من حياتنا الى الأبد؟ وإن كانت كذلك، فما السبب ومن المسبب؟ وإذا كان القائد الضرورة بالأمس هو السبب والمسبب في انعدام الفرحة، فمن ياترى السبب والمسبب بعد زواله؟ أظن الإجابة على هذين السؤالين نجده في الأبوذية الآتية: