رئيس تجمع روافد :مجتمع الأنبار بين مطرقة الحكومة وسندان الأرهاب!

رئيس تجمع روافد :مجتمع الأنبار بين مطرقة الحكومة وسندان الأرهاب!
آخر تحديث:

 الوضع الأمني في محافظة الأنبار يشهد أنهيار مستمر خلال الأربعة اشهر الماضية متزامنا مع أستلام الحكومة الجديدة بقيادة متحدون. الجميع يتسائل اسباب هذا الأنهيار: هل هناك استهداف للحكومة المحلية، ومن قبل من؟ أم هناك تقصير في أداء الحكومة الجديدة بالرغم من أختيار محافظ له خلفية أمنيه؟ أم هناك صراع بين حكومة المركز والحكومة المحلية كونها من مناصري ساحات الأعتصامات؟ وهل المطلوب من تلك الحكومة أجبارها الأستغاثةبالحكومة المركزية للتصدي الى هذه الهجمة الشرسة من الأرهاب مع تنازلات سياسية أنتخابية على راسها انهاء ساحات الأعتصام؟ أم أن هناك انفراط بعقد الأئتلاف السياسي المحلي مما فسح المجال لبعض المتنفذين السياسين استثمار الوضع الغير مستقر من خلال تسقيط سياسي ناتج عن تدهور أمني؟ أم أن هناك  تخلي سياسي عن ساحات الأعتصام بعد أنتهاء الأنتخابات المحلية وجني بعض الأحزاب التي كانت المؤسسة لتلك الساحات استثمارها السياسي؟ وهل وقعت ساحات الأعتصام بيد الأرهاب بينما يظهر علماء الدين كل جمعة من منابر الصلوات الموحدة مطالبين بسلمية الأعتصامات ومؤكدين على المطالب المشروعة للمعتصمين، بينما ينهار الأمن في جميع أنحاء المحافظة؟ هذه هي الأسئلة التي تتداول في الدواوين والصالات الأنبارية كلمساء، والجميع في حيرة من أمر هذه التطورات التي تؤثر سلبا على ابناء المحافظة بشكل مباشر على ارزاقهم وأعمالهم وغير مباشرعلى حالتهم الصحية والمعيشية والسيكلوجيه.

واقع الحال أكثر تعيقدا مما يعتقده الكثيرون، وهذا التعقيد نابع من تشابك العديد من التقاطعات السياسية المحلية مع اسقاطات اقليمية ودولية جميعها تتفاعل على ساحة اجتماعية وعشائرية مخلوطة الولاءات وغير قادرة على تطوير رؤيا خاصة بها بسبب غياب قيادات سياسية مؤهلة. ولكي نفهم واقع الحال في الأنبار سأحاول تقديم شرح سريع عن بعض هذه التقاطعات لكي نتمكن من تحليل المشهد وقرائته بشكل صحيح:

القيادات العشائرية: لاشك بأن الأنبار تتميز بواقعها العشائري الذي لايزال يحتفظ بتوزيعه الجغرافي الواضح في القرى والأرياف، بينما يختلط في المدن مع العوائل الكبيرة والمتعددة التي تمثل مراكز المدن الكبيرة مثل الرمادي والفلوجة وهيت وحديثة والقائم. وبما أن علاقات شيوخ تلك العشائر لابد وأن يكون متين مع الحكومة المحلية وفي بعض الأحيان يتعداه الى الحكومة المركزية بسبب التعاطي مع مشاكل المواطنين اليومية وحقوقهم التي يفشلون في الحصول عليها من مؤسسات الدولة بالطرق الرسمية مما يظطرهم الى الرجوع الى قياداتهم العشائرية للتدخل لدى مؤسسات الحكومة لغرض حلها. وبما أن قوة ومركزية هذه القيادات داخل عشائرهم تنبع من استطاعتهم تقديم تلك الخدمات وحل المشاكل، فأن الحفاظ على علاقات عمل بين القيادات العشائرية و الحكومة المحلية والمركزية هي ذات أهمية بالغة. وهذه العلاقات تقع في بعض الأحيان ضحية توجهات سياسية تهمين على تلك الحكومات من قبل قياداتها السياسية مما جعل بعض تلك القيادات العشائرية تقدم ولائها لغرض دعم موقعها ماديا ومعنويا. ومع الأسف فأن تلك الحكومات تضغط في العديد من الأحيان على تلك القيادات أخذ مواقف لاتنسجم مع تطلعات مجتمعها مما يؤدي الى خلق شرخ كبير بين أبناء العشائر وقياداتها. وهذا في تصوري خطأ أستراتيجي ترتكبه الحكومات العراقية يقلل من انسجام المجتمع ويساعد على أنفلات المركزية العشائرية مما يضعف قدرتها على تحشيد المجتمع . لاشك في أن كون الوضع الأمني والأقتصادي والأجتماعي في حال تدهور مستمر وفشل مؤسسات الدولة تغيير هذا المسار، فأن وجود قيادات عشائرية قوية تستطيع التعاون مع تلك المؤسسات لغرض استباب الأمن وتطوير الأقتصاد هي في غاية الأهمية لجميع الأطراف. وحين تتمكن الدولة من بسط نفوذها وبناء مؤسسات دولة رصينة تتعامل مع المجتمع بطريقة شفافة وحسب الدستور ، فأن نفوذ القيادات العشائرية يمكن أن يتحول الى تطوير ودعم المجتمع العشائري والمحلي بصورة اقرب الى عمل منظمات المجتمع المدني كما هو الحال في العديد من المجتمعات المتطورة. لذلك فأنني اعتقد بان تسيس القيادات العشائرية في بث الفوضى في المجتمع نتيجة عدم انسجام توجهات تلك القيادات مع تطلعات المجتمع كان له الأثر الكبير في انهيار الأمن وعدم استقرار العراق.

الأحزاب السياسية: نجحت الأحزاب السياسية الطائفية والعرقية من الهيمنة على المشروع السياسي العراقي خلال 10 سنوات الماضية. ولكي تتمكن هذه الأحزاب من استمرار هيمنتها على المشهد السياسي، فقد تبنت استقطاب المجتمع على اسس طائفية وعرقية من خلال السماح للوضع الأمني بالأنهيار، واستخدام القوانين بشكل انتقائي، وتعزيز الفوارق الطائفية والعرقية، وعدم الجدية في وضع برامج نهوض أقتصادي او تعليمي او صحي. وبما أن المجتمع العراقي، وبصورة عامة، رافض لمثل هذا الأستقطاب، فانه فقد الثقة بقيادات تلك الأحزاب التي فشلت في تقديم اي انجاز حقيقي للمجتمع. لقد أصبح واضحا للمجتمع العراقي بعد تجربة 8 سنوات من الأنتخابات بأن الأحزاب التي تدعي تبنيها لمظالم جماهيرها قد فشلت ولم تعد قادرة حتى على تقديم برامج جديدة تكون محط ثقة الشعب. ومع هذه الحقيقة تحولت طريقة تعاطي هذه الأحزاب من تقديم برامج الى أفتعال أزمات سياسية مبنية على اسس طائفية وعرقية لدفع المجتمع للتمترس خلف أحزاب تجيد هذه اللعبة الأستخباراتية التي تظلل ابناء المجتمع .

علماء الدين: وهذا لاعب كبير في المشهد السياسي العراقي بالرغم من أدعائاتهم بانهم يمثلون فقط مظلومية المجتمع. لقد كان واضحا دور القيادات الدينية في الأحزاب الكبيرة مثل التيار الصدري والمجلس الأعلى وحزب الدعوة والفضيلة والحزب الأسلامي. أن أصرار الأحزاب السياسية المكونة للأئتلاف الوطني على استخدام الرموز الدينية والمرجعيات كأساس لنهجها السياسي دفع بالأحزاب الأخرى عربية وكردية الى البحث عن قيادات دينية يمكن لها الأصطفاف خلفها في التعاطي السياسي مع مشاكل المجتمع . وهنا بات واضحا تناغم سياسي طائفي يسيطر على المشهد السياسي العراقي ففي مقابل المراجع الدينية الشيعية، أصبح هناك مراجع دينية سنية تتمثل بمفتي الديار العراقية أو سماحة الشيخ عبدالملك السعدي وآخرين. وقد وجدتهذه القيادات فرصتها في تبني مظلومية المجتمع من خلال ساحات الأعتصام في المحافظات الستة. ولكن لم تستطيع هذه القيادات الدينية في تبني برنامج سياسي أو تطوير كيانات سياسية كما هو الحال في المشهد السياسي الشيعي. بل على العكس فأن القيادات الدينية السنية لديها مواقف متناقضة من العملية السياسية حيث ترفضها في بعض الأحيان ومن ثم تعود وتدعوا المجتمع للأنخراط بها، وهذا عزز عدم ثقة المجتمع في تلك القيادات من جهة، وأبقاء المشهد السياسي السني غامض المعالم يتخبط باجتهادات مجموعة من السياسيين الطموحين في تنفيذ أجنداتهم الخاصة أو أجندات خارجية بعيدة عن تطلعات المجتمع.

المجتمع العراقي: وهو الأرضية التي تنبت فيها تلك الصراعات وتترعرع فيها تلك القيادات السياسية. والشعب هو مصدر السلطات حسب الدستور العراقي. وعلية فأن جميع نتاجات العمل السياسي هي في الأصل نابعة بطريقة أو أخرى من رحم هذا المجتمع. من هنا كان لزاما تحييد دور هذا المجتمع بشكل كبير من قبل الأحزاب السياسية التي جاءت مع الأحتلال. ويتم هذا التحييد من خلال استثمار مجموعة واسعة من خصوصيات هذا المجتمع العريق لتصبح قوانين وتشريعات يتم تقسيم المجتمع العراقي على اساسها. ومن أخطر تلك الخصوصيات هو التنوع المذهبي والعرقي والديني لمجتمع أصبح حظارة عالمية قبل الآف السنين. وكان مركز اشعاع للعلم والمعرفة والرفاهية الأقتصادية ومركز جذب عالمي لجميع الامم .  لقد تم استثمار أقوى مقومات الشعب العراقي ضده، وأصبح التنوع العرقي والمذهبي والديني من أكبر اللعنات السياسية على هذا المجتمع العريق. وتم تعزيز ذلك من خلال دستور ضعيف وأداء حكومي نجح في تعزيز الأنقسام ووضع سابقة في أدارة الدولة مبنية على المحاصصة على اساس العرق والمذهب والدين. وفي هذه الأثناء عززت الحكومات المتلاحقة سياسية واضحة في نشر الجهل والفساد والأرهاب داخل المجتمع من خلال انهيار منظومة التربية والتعليم، والصحة، وألأمن، وتم استثمار اموال العراقيين من عوائد النفط القياسية في توسيع حجم مؤسسات الدولة على حساب القطاع الخاص مما أدى الى خلق ميزانيات تشغيلية هائلة مقابل تقليص الميزانيات الأستثمارية مما أدخل العراق وأقتصادة في طريق مظلم يعمة الفساد وعدم القدرة على تطوير الخدمات أو خلق بيئة استثمارية جاذبة لتلبية متطلبات المجتمع. أن مستوى الجهل والفقر والعوز الذي يمثل واقع الشريحة الأكبر في المجتمع العراقي هي الأرضية الخصبة للعنف والتطرف وعدم أحترام القانون.

القوى الدولية والأقليمية: أن مصالح الغرب في حماية منابع النفط ومصادر الطاقة هي اساس تدخلها السياسي في العراق والشرق الأوسط حيث يكمن 60% من مخزون النفط العالمي. وتقدم تلك القوى دعمها الكامل لأي حكومة عراقية تستجيب بشكل اساسي لزيادة وتطوير الأنتاج النفطي والغازي العراقي بغض النظر عن جميع السياسات الأخرى التي تتبعها تلك الحكومات تجاه شعوبها. ومن البديهي أن تدعم الولايات المتحدة رئيس الوزراء العراقي الذي تبنى سياسة طموحة لرفع أنتاج النفط العراقي الى 12 مليون برميل بحلول 2020 (أذا كان ذلك ممكنا على اسس فنية) وضخ 50% من ميزانيات العراق الأستثمارية في هذا القطاع. لاشك بأن العراق بحاجة ماسة لزيادة انتاجة النفطي لأعادة بناء البنية التحتية المدمرة للعراق، ولكن هناك سوء أدارة كبير في ملف النفط والغاز، وهناك أنهيار كامل في جميع قطاعات الأقتصاد الأخرى مما عزز من بقاء العراق أحادي المورد ويهدد بأنهيار الدولة في حال انهيار اسعار النفط ولو حتى لفترة وجيزة.

أن مصالح أيران وتركيا والدول العربية تتمحور اساسا حول صراع طائفي وعرقي يأخذ في بعض الأحيان غطاء أقتصادي.ويتفاعل هذا الصراع بشكل دائم مع أخذ أيران وتركيا الموقف المساند للأحزاب الطائفية التي تعمل على استثمار محور الصراع السني-الشيعي. بينما لاتزال الدول العربية في حيرة من أمرها لكون هناك محور شيعي عربي ومحور سني عربي ومحور وطني عروبي يتفاعل جغرافيا في جميع أنحاء العراق العربي. ولقد أصبح من الصعب تبني اي موقف طويل الأمد من قبل الدول العربية التي لاترغب بضياع علاقاتها التاريخية والعرقية مع العشائر العربية الشيعية والتي تعتبرها خط دفاعها الأول ضد التوسع الأيراني الطائفي في المنطقة. وهنا يجد العراقيين والعرب انفسهم في حال غموض وعدم وضوح مما أضعف هذا الدور بشكل كبير وأصبح هناك مواقف محدودة لكل دولة تعتمد في التعاطي مع العراق على اساس مصالحها الخاصة. وهذا دفع المجتمعوالسياسين العراقيين الى حالة من التحفظ في التعاطي مع الحكومات العربية مما أضعف تأثيرها في لعب دور سياسي في المشهد العراقي.

جميع هذه العوامل تتفاعل على الأرض في جميع مدن العراق، لاسيما الأنبار حيث يقف المواطن حائرا بين الولاء العشائري أو الولاء السياسي أو الولاء العرقي أو المذهبي أو الديني. ثم يقف حائرا من جهة مؤسسات حكومية فشلت في تقديم الخدمات أو القضاء على الفقر، أو توفير سكن ، أو خلق فرص عمل، أو قادرة على تعزيز الأمن. بينما تعم تلك المؤسسات الفساد الأداري والمالي وعدم تطبيق القانون والتجاوز على المصالح العامة والتركيز على المصالح الضيقة لمسؤولي تلك المؤسسات والدوائر. ثم يرى هذا المواطن بأنه مستهدف سياسيا وعرقيا ودينيا ومذهبيا من قبل أحزاب وفئات متنفذة في الحكومة، ويتم أقصاءه وأجتثاثه ومحاربته من خلال مؤسسات أمنية فاسدة وقضاء منحاز ومسيس. لقد أصبح المواطن العراقي ينظر الى مؤسسات الحكومة بانها قوى ظلامية جاثمة على صدرة لا تمنحة فرصة للتقدم والتطوير أو حتى الحصول على حياة كريمة بينما تهدر أمواله النفطية. ومن جهة أخرى يرى بأن القوى التي تقف على نقيض من هذه الحكومات  وتشكك بمهنيتها وقدرتها على تقديم حياة كريمة للمواطن العراقي هي قارب النجاة. ولكن في هذه القوى توجد كيانات متطرفة تدفع بالمجتمع الى الهواية من خلال تعزيز الصراع الطائفي وعدم احترام حياة الناس وممتلكاتهم. وهذه القوى تتناغم مع أحزاب الدولة في بث التقسيم والأستقطاب الطائفي والعرقي والديني لخدمة مصالحها وأجنداتها السياسية.

أن هذه الحلقة المفرغة من الصراع يجب على الدولة العمل للخروج منها. وذلك يتم من خلال انتخابات حرة ونزهية يتم أدارتها من قبل مؤسسات حيادية. مع الأسف هذا لايتوفر في العراق، ولن يتوفر في المستقبل القريب. ولذلك فأنه من واجب الجميع الخروج الى الأنتخابات وأختيار ممثلين جدد لديهم الخبرة والكفاءة لدفعهم الى البرلمان لأحداث تغيير حقيقي. لايمكن الوصول الى نتائج كبيرة خلال فترة قصيرة مع هذا الأستقطاب الطائفي الهائل في المجتمع، ولكن الواجب علينا جميعا العمل بكل طاقتنا على أحداث هذا التغيير. يجب عدم أنتظار الحكومة لتقديم اية حلول لعجزها في أدارة مؤسسات الدولة حسب المعايير العالمية وقياداتها لم تكن حريصةبالشكل الكافي على أموال الشعب العراقي، ولذلك ستعمل على بقاء السلطة في ايديها لكي لاتقف في المحاكم امام خصمها وهو الشعب العراقي.

رئيس تجمع روافد العراق

جلال الكعود

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *