سئل أعرابي يوما: كيف أنت في دينك؟ فأجاب: أخرقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.
تجاوز على الدستور.. خروقات قانونية.. عدم تطبيق القانون.. خروج عن الاتفاق.. كل هذه عبارات ماعاد غريبا على العراقيين سماعها، لاسيما عقب كل تصريح او قرار يصدر من سياسي او مسؤول في دولة العجائب والغرائب، دولة التأريخ العريق، دولة الحرف الأول، دولة أول القوانين، بلاد الرافدين. إذ سرعان ما ينهال الآخرون من رفاق دربه بالاتهامات، بمجرد تلويحه بنية الإفصاح عن رأي في قانون، او وجهة نظر في قرار، للمواطن وللبلاد مصلحة فيه، وقطعا لايفوتهم التعقيد من الأمر في استحالة تصحيح مسار او إصلاح خطأ يقع به.
وهذا ديدن ساستنا من رؤساء الكتل وزعماء الأحزاب، الخاسرين في الانتخابات الأخيرة والفائزين على حد سواء، فهم جميعا مشاركون في مسيرة المليون ميل للعملية السياسية، والتي لاندري متى تبدأ الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح فيها، إذ ان خمسة عشر عاما غير كافية لتصويب الخطى وتوحيد الرؤى، حيث بات مانراه من تقدم في المسير بضع خطوات، يعقبه تقهقر فيها وفي اتجاهها أضعافا مضاعفة. وبلغ ما يتفتق من رحم ساستنا من خروقات بحق الوطنية والمهنية -فضلا عن الإنسانية والأخلاقية- حدا يصعب معه التصحيح والتصليح، إذ أن ما يقابله من حلول خجولة لاتكاد تصيب من عين النجاح ومرمى الفلاح، إلا بقدر مايصيب الأعمى مرماه. ولعلي أصيب إن شبهت حال ساستنا في المشاكل وحلولها بمثلنا الدارج: (الشگ چبير والرگعة صغيرة) والأمثلة في هذا كثيرة لايحتويها عمود او صفحة او حتى عدد من صحفنا.
ويبدو ان مثلنا القائل؛ (الإيده بالثلج مومثل الإيده بالنار) ينطبق تماما على مايحدث في الهوة الكبيرة التي تفصل بين قبب مؤسسات البلد التشريعية والتنفيذية من جهة، وبين المواطن المسكين من جهة أخرى، والذي بدوره وضع يد الانتظار على خد الصبر المرير، وراح يصيح حتى (بح صوته):
لأقعدن على الطريق وأشتكي
وأقول مظلوم وأنت ظلمتني
أذكر أحدوثة ليس لها من الواقع شيء لكن لها من المعاني الكثير، إذ جاء في أحد الأيام رجل كان يملك حصانا الى طبيب بيطري حيث كان الحصان مريضا، فقال الطبيب البيطري لصاحب الحصان: إذا لم يتعافَ الحصان في ثلاثة أيام، نقتله. فذهب خروف كان قد سمع الحوار الدائر بينهما وقال للحصان انهض! لكن الحصان كان متعبا جدا… وفي اليوم الثاني قال له انهض بسرعة، لكن الحصان لم يقدر أبدا… ولما كان اليوم الثالث قال الخروف للحصان: إنهض وإلا سيقتلونك، فنهض الحصان أخيرا. فقال الفلاح وهو سعيد جدا: لقد نهض الحصان يجب أن نحتفل، اذبحوا الخروف.
في عراقنا الجديد من غير المعقول ان نبلغ من القوة ما يمكننا من تجاوز العقبات التي أتى بها الاحتلال -كشماعة رقم 1- فضلا عن التي خلفها النظام السابق -كشماعة رقم 2- وفي الوقت ذاته نضيف ونجدد بشكل يومي مشاكل وعقبات أكثر من التي ورثناه من الشماعتين، فنكون بهذا قد جسدنا المثل القائل: (فوگ الحمل تعلاوة). أما كفانا ما واجهنا من شرور أتت من دول وجهات من كل فج عميق، دمرت وخربت مدنا عراقية كانت زاهية قرونا خلت.
لقد آن الأوان -إن لم يفت بعد- للملمة جراحنا وهندمتها وتطبيبها بالعلاج الناجع والشافي بشكل جذري، لا بترتيقها سطحيا وترقيعها شكليا، فحينها يكون الحال كما قيل: