عدنان حسين
في أقلّ من ثمان وأربعين ساعة جعلتنا أجهزة الأمن الكويتية كمن يقرأ في كتاب مفتوح، فقد نجحت في الكشف عن كل ما يتعلق بالهجوم الإرهابي الانتحاري الذي استهدف مسجداً في الكويت العاصمة يوم الجمعة الماضي، وفي تقديم التفاصيل إلى الجمهور أولاً بأول.
اشتمل الإنجاز الأمني الكويتي على معرفة هوية الانتحاري (سعودي) وظروف دخوله الى البلاد، وعلى الوصول الى السيارة التي نقلته الى المسجد الذي شهد المذبحة والتحفظ عليها، ثم القبض على سائق السيارة (مقيم بصورة غير شرعية في البلاد) فاعتقلته ومالك البيت الذي اختبأ فيه (من المؤيدين للمنظمات السلفية المتطرفة). ومن المؤكد ان الأمن الكويتي سينجح خلال الساعات والأيام المقبلة في الوصول الى أشخاص آخرين قد يكونوا على صلة بالحادث المروّع.
ليس الكويتيون أكثر ذكاءّ منّا نحن العراقيين ليحققوا هذا الانجاز الأمني، ولسنا أقل ذكاء منهم لنفشل المرة تلو المرة بعد الأخرى في تحقيق نتيجة مماثلة. سرّ النجاح الكويتي يكمن في وجود الدولة التي نفتقدها، وفي وجود الوطنية التي تفتقدها الأغلبية الساحقة من الطبقة السياسية المتنفذة. كما يكمن السرّ في وجود نظام أمني متكامل.. الشوارع مجهّزة بالكاميرات التي يمكن من خلالها تعقّب مرتكبي الجرائم والمخالفات من حيث انطلقوا وإلى حيث لجأوا، والأجهزة الأمنية لديها قاعدة بيانات مفصّلة عن المواطنين والمقيمين وحتى الكثير من المقيمين بصورة غير شرعية. وهذا كله ينقصنا.
منذ سنوات والكثير منّا يطالب بنشر كاميرات المراقبة في الشوارع، لكنّ الأجهزة الحكومية ظلّت تصرّ إصراراً عجيباً على التمسّك بنقاط التفتيش غير المُجدية وتزويد عناصرها بجهاز مزيف لكشف المتفجرات حكمت بريطانيا على التاجر الغشّاش الذي صدّره إلينا بالسجن مدة طويلة، بينما معظم الرؤوس الكبيرة التي كانت وراء تلك الصفقة الفاسدة في دولتنا تواصل إلى اليوم ممارستها السلطة والنفوذ وعقد الصفقات الفاسدة!
غير مرة أعلن محافظ بغداد الحالي عن أن “جهات ما” أوقفت مشروعاً للمحافظة لنشر كاميرات المراقبة في شوارع العاصمة وساحاتها. ولم يكن صعباً على من يقرأ ما بين السطور أن يكتشف أن سرّ الإيقاف إنما يكمن في الفساد الإداري والمالي.. يكفي ألا يضمن المشروع لجهة ما أو أكثر حصّة معتبرة في العمولة المُفترضة، بل المفروضة، لكي تقف هذه الجهة أو الجهات ضد المشروع، فهذا ما يجري هنا بصورة منتظمة. وبالنسبة للفاسدين والمفسدين لا يهمّ كم يُقتل من الناس وكم يُدمّر من الممتلكات العامة والخاصة من جرّاء إيقاف مشروع كهذا، فالعمولة هي ما يهمّ.
ومما يوجد في الكويت ولا يوجد لدينا أيضاً، ان هناك لا يمكن لأي شخص، حتى أمير البلاد، أن يسير في الشارع بسيارة لا تحمل أرقاماً.. في المقابل فان المسؤولين الكبار جميعاً في “دولتنا” وبعض أفراد عائلاتهم، والكثير من صغار المسؤولين، فضلاً عن عناصر الميليشيات، يمتلك كل واحد منهم بدل السيارة الواحدة سيارات بلا أرقام ومظلّلة نوافذها بالسواد تجوب الشوارع بحرية منقطعة النظير، فهي مثلاً مأذون لها بالسير عكس الاتجاه وبارتقاء الأرصفة! .. فكيف يمكننا، والحال هذه، تحقيق إنجاز أمني على غرار الإنجاز الكويتي؟