عدنان حسين
لم تفلح وزيرة الصحة والفريق المرافق لها الى جلسة مجلس النواب أول من أمس في إقناع المجلس بان الوزارة قد نجحت في اتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة على وباء الكوليرا الذي تفشّى في أنحاء البلاد على نحو غير مفاجئ، بحسب التعليقات والمداخلات التي أدلى بها عدد غير قليل من النواب أثناء جلسة البرلمان وعلى هامشها.
لم يكن مقدراً أن يكون النجاح حليفاً للوزيرة وفريقها في مهمتهم البرلمانية، فعلى الأرض كان الواقع ينطق بلغة فصيحة بقصة أخرى من قصص الفشل الحافلة بها حياة دولتنا التي أردناها بديلاً حقيقياً لدولة الاستبداد والحروب العدوانية الداخلية والخارجية فإذا بها لا تعدو عن كونها، من حيث المضمون والنتائج، الوجه الآخر للعملة نفسها، ففيما حل الفساد محل الاستبداد ظلّت طاحونة الحرب تدور بالوتيرة الجهنمية ذاتها، في صيغة أهلية – طائفية هذه المرة.
في بغداد على سبيل المثال لم نلحظ أي تغيير أو تعديل في الحياة العامة ينمّ عن إجراءات اتخذتها وزارة الصحة أو أمانة بغداد أو محافظة بغداد، لتكون مصدّة في وجه الوباء المعدي القاتل. مسؤولون في الوزارة والامانة والمحافظة أعلنوا أنهم أغلقوا عشرات المطاعم والكافيتريات ومعامل لانتاج الثلج ومحال لبيع المرطبات مخالفة للشروط الصحية، بيد أن السائر في شوارع العاصمة وساحاتها لن يكون عصيّاً عليه ملاحظة أن الغالبية العظمى من المطاعم ومحال بيع المرطبات والمأكولات والخضروات التي واصلت عملها أمس لا تتوفر فيها أدنى شروط الصحة والسلامة. أكثر من هذا أن العربات المكشوفة التي تبيع الحلويات والأطعمة الأخرى ظلت أمس ترابط على الأرصفة أو تجول في الشوارع، والشوارع والساحات والدرابين نفسها ظلت مفروشة بكل الاشكال والاصناف من النفايات والأزبال، كما لو أن الكوليرا لم تضربنا بعد!
للإنصاف، لم يكن من السهل أن تفرض وزارة الصحة ومجالس المحافظات والبلديات وسواها من مؤسسات الدولة، نظاماً صحياً في إمكانه محاصرة جيوش الكوليرا الغازية بالسرعة والكفاءة المطلوبتين، فالجهاز الصحي مثقل بمشاكله، والثقافة الصحية المجتمعية منعدمة بالكامل تقريباً، وهذان أسوأ عنصرين في المعادلة. بيد ان هذا هو الآخر ما تتحمل الدولة المسؤولية عنه، ذلك ان دولتنا استنفدت طاقتها في الترهات، كتحجيب البنات، على سبيل المثال، والفصل بين الجنسين في الجامعات والمعاهد ومراقبة النوادي الاجتماعية ومتابعة روادها، غير آبهة بتفشي الأمراض والأوبئة والأمية والبطالة والفقر، التي هي في الواقع نواتج لوباء الفساد الإداري والمالي المنغمس فيه “علية” قوم الدولة وامتداداتهم في المجتمع.