شناشيل :سؤال برسم السلطة القضائيّة

شناشيل :سؤال برسم السلطة القضائيّة
آخر تحديث:

 

بقلم: عدنان حسين

كلُّ من يتولّى وظيفة عامة في الدول المتبنّية نظام الحكم الديمقراطي يعرف أنه تحت الرقابة المتواصلة. الزعماء السياسيون ورؤساء الأجهزة العليا في الدولة خاصة هم أكثر من يعرف، وأكثر من يُدرك أنّ الوظائف أو المناصب التي يحتلّونها لا تمنحهم الحصانة ضد هذه الرقابة وضد النقد الذي يُمكن أن يأتي حتى من الموالفين والحلفاء فضلاً عن المختلفين والغرماء.

في هذه الدول يتقبّل الزعماء السياسيون ومتولّو الوظائف العامة وجود معارضة لهم تتربّص بهم وتكمن لهم لانتقاد كلّ تصرّف أو موقف أو تصريح يجتهد المعارضون في أنه غير صحيح وغير سليم. أكثر من هذا إنّ الزعماء السياسيين ومتولّي الوظائف العامة يتقبّلون حتى رميهم بالبيض والطماطم الفاسدة كتعبير عن الرفض لموقف ما والمعارضة لسياسة ما. وفي هذه الدول مَنْ يَستكثر على نفسه أن يجدها في وضع كهذا يُولي الزعامة السياسية والوظيفة العامة ظهره، فيُريح ويَستريح.

يوم الخميس الماضي اعتقلت قوة أمنية الشيخ جمال الوكيل في مكتبه بمدينة كربلاء. والشيخ الوكيل هو زعيم حركة الوفاق الإسلامي إحدى جماعات المعارضة الإسلامية (الشيعية) في عهد صدام حسين، وتعرّض في ذلك العهد للاعتقال والتعذيب والنفي الاختياري خارج البلاد.

المهم إنّ سبب اعتقال الشيخ الوكيل لا علاقة له بعمليات فساد إداري ومالي ولا بخطاب كراهية طائفي ولا بارتكاب عمل إرهابي أو التحريض على الإرهاب، ولا بأيّ قضية جنائية. المحكمة التي أصدرت أمر القبض على الشيخ الوكيل هي محكمة قضايا النشر والإعلام، وأمر القبض يخصّ قضية رفعها رئيس الوزراء السابق ورئيس ائتلاف دولة القانون الحالي نوري المالكي الذي يتّهم الشيخ الوكيل بالقذف والتشهير به.

الشيخ الوكيل ليس الوحيد الذي درج على انتقاد السيد المالكي وتوجيه التهم إليه بالمسؤولية عن أحداث كبرى حلّت بالعراق والشعب العراقي أثناء الحقبة التي تولّى فيها رئاسة الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلّحة. مثل الشيخ الوكيل يوجد المئات من السياسيين ورجال الدين ومن المثقفين ممن كانوا ومازالوا يوجّهون التهم نفسها إلى السيد المالكي، خصوصاً أنّ القضايا المتّهم فيها المالكي لم يجرِ التحقيق فيها أو جرى التحقيق ولم تُعلن النتائج، وفي مقدم هذه القضايا احتلال التنظيم الإرهابي داعش ثلث مساحة البلاد، وجريمة سبايكر، وضياع مئات مليارات الدولارات في قضايا الفساد الإداري والمالي الذي ازدهر على نحو مذهل في عهد السيد المالكي.

كلّ الذين انتقدوا المالكي وحمّلوه مسؤولية تلك الأحداث وسواها، من قبيل تولية غير الكفوئين وبعض فلول النظام السابق مناصب خطيرة في الدولة، انطلقوا من واقع أنّ السيد المالكي كان خلال ثماني سنوات المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية في البلاد وعن المؤسسة العسكرية والأمنية، وهو على هذا الأساس يتحمل المسؤولية الإدارية والسياسية والأخلاقية عمّا يُنتقد فيه ويُلام عليه من فشل وإخفاق وانحراف في إدارة الدولة ومكافحة الإرهاب والفساد الإداري والمالي.

السيد المالكي اتّهم الشيخ الوكيل أمام محكمة قضايا النشر بأنَّ الأخير استخدم في تصريحات له ألفاظاً “تحطّ من مكانته الاجتماعية أمام أهله وجمهوره في المجتمع وتضعه في خانة الفاسدين والإرهابيين”، وهو ما شكّل “ضرراً أدبيّاً تعويضه يكون بخمسة مليارات دينار عراقي مع تحميله الرسوم والمصاريف القضائية وأتعاب المحاماة كافة”.”.

إذا كانت قيمة الضّرر الناجم عن انتقاد الشيخ الوكيل أو اتّهامه السيد المالكي خمسة مليارات دينار(أربعة ملايين دولار)، فما هي قيمة الأضرار المادية والأدبية التي تسبّبت فيها السياسات الخاطئة للسيد المالكي التي اعترف هو علناً ببعضها على مدى ثماني سنوات؟

السؤال موجّه إلى السلطة القضائية..

 

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *