شناشيل :قانون لحقبة سوداء جديدة

شناشيل :قانون لحقبة سوداء جديدة
آخر تحديث:

عدنان حسين

الزميلة النائبة سروة عبد الواحد، عضوة لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب، لا تكشف سرّاً إذ تعلن أنّ “كتلاً كبيرة” في المجلس تقف وراء منع إجراء تعديلات جوهرية في مشروع قانون حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي. وليس سرّاً أيضاً أن “أغلب تلك الكتل إسلامية”.

الكثير ممّنْ يهتمون بهذا الأمر وبالشأن العام، من مثقفين وسياسيين وناشطين مدنيين وأكاديميين وإعلاميين، يعرفون أن أحزاب الإسلام السياسي، وهي تشكّل الكتل الكبيرة في البرلمان والدولة كلها بفضل حصصها الكبيرة في عمليات سرقة المال العام وعمليات التزوير في الانتخابات، تتميز بموقفها المناهض لحرية التعبير باختلاف أشكال هذا التعبير وأساليبه.

عبد الواحد قالت في مقابلة تلفزيونية إن “هناك كتلاً كبيرة تسعى لعدم إجراء تعديلات جوهرية على بعض بنود القانون كالإخطار وعدم المساس بالرموز الدينية ومنع الإضراب والاعتصام”، مشيرة إلى أن “أغلب تلك الكتل إسلامية”. 

حرية التعبير ظلّت لعشرات من السنين غير متاحة للعراقيين، بل محرّمة عليهم.. هذا كان في عهد نظام صدام وفي العهود السابقة، وكانت هي أهم ما حصلوا عليه بعد سقوط نظام صدام، بل إنهم لم يحصلوا على شيء آخر ذي قيمة غيرها، والفضل يرجع إلى سلطة الاحتلال التي أطلقت حرية التعبير على نحو ما كان سيحصل لو تُرِك الأمر للقوى والأحزاب التي تولّت السلطة في العهد الجديد، ومعظمها إسلامية، وإليكم الدليل:

الدستور الدائم المستفتى عليه في العام 2005 نصّ في المادة (38) على أن تكفل الدولة:

“أولاً:ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

ثانياً:ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.

ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظّم بقانون”.

لكنّ هذه الحريات بقيت، موضوعياً، مقيّدة بقوانين نظام صدام التي لم تلغَ ولم يُشرّع النظام الجديد قوانين بديلة، فظلت السلطة التنفيذية، وكذا السلطة القضائية، تتعامل مع هذه الحريات بوصفها محكومة بقوانين الحقبة الصدامية، وعلى هذا الأساس تعاملت الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي بقسوة مفرطة مع حركة التظاهرات التي انطلقت مطلع العام 2011 مطالبة بالإصلاح وبمكافحة الفساد الإداري والمالي وتوفير الخدمات العامة الأساس. بالقسوة نفسها تعاملت مع وسائل الإعلام الوطنية التي مارست حقها في انتقاد السياسات الخاطئة المدمرة لتلك الحكومة ورئيسها، وهي السياسات التي انتهت إلى تسليم ثلث مساحة البلاد إلى تنظيم داعش الإرهابي ووقوع فظاعات في حق الملايين من العراقيين.

والحكومة السابقة نفسها هي التي قدّمت إلى مجلس النواب مسودة قانون يفرض قيوداً مشددة على ممارسة حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي، ما أثار حفيظة الأوساط الثقافية والإعلامية والحقوقية والمدنية والسياسية الديمقراطية والليبرالية، فاضطر مجلس النواب إلى إعادة المسودة إلى الحكومة غير مرة.

منذ أكثر من سنة يجري تداول المسودة التي يوشك مجلس النواب على إقرارها، وبدا في وقت من الأوقات أن اللجان المختصة في المجلس (الثقافة والإعلام وحقوق الإنسان والقانونية) مقتنعة بالملاحظات والطعون الموجهة إلى القانون، لكننا نُفاجأ الآن بأن مجلس النواب يتجه لإقرار صيغة تقيّد، ولا تنظّم، حرية التعبير على النحو الذي أشارت اليه النائبة عبد الواحد.

السبب مفهوم، فـ” الكتل الكبيرة” الإسلامية لا تريد للعراقيين أن يتمتّعوا بحرية التعبير عن آرائهم بما يهدّد مصالح هذه الكتل وأحزابها وقياداتها، بالكشف عن فسادها، ويضغط عليها لإصلاح النظام السياسي القائم على المحاصصة الذي تسبب في كل الخراب الذي تشهده البلاد.

تمرير القانون الحالي سيعني الدفع بالعراق إلى حقبة سوداء جديدة من تاريخه.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *