عدنان حسين
كامل التقدير لموقف المهددين بمقاطعة العملية السياسية، وكامل التفهّم للأسباب التي تدفع بالتحالف الكردستاني واتحاد القوى وغيرهما للتحذير من انهم يمكن أن يعطوا العملية السياسية ظهورهم ترقباً لتحقيق ما يطالبون به.
ثمة مئة داعٍ وداع ومئة مسوّغٍ ومسوّغ لإشاحة الوجوه عن هذه العملية .. إنها عملية ولدت بائسة وفاسدة في الأساس ولم يشأ أصحابها، بمن فيهم المهددون بالمقاطعة، تنظيفها من بؤسها وفسادها فباتت عملية لا نفع يُرتجى منها.. صارت صندوق باندورا الذي انطلقت منه شرور كثيرة .. إنها عملية لم تعد قابلة للاصلاح إلا بعمل من العيار الثقيل، مُزلزل أو مُجلجل في الأقل.
هذه العملية هي الابن الشرعي لكل القائمين عليها ومنهم المهددون الآن بالمقاطعة، وهؤلاء مسؤولون كما الآخرون عما يجري لهم لأنهم ساهموا في هندسة هذه العملية بشكلها المفتقد للأناقة، وفي تحديد مقاساتها غير الملائمة للعراق ولا لأي بلد في الواقع.
الضغط السياسي سلاح مشروع، لكن المقاطعة واتخاذ موقف التفرج من التل قد لا يؤولا الى النتائج الإيجابية المأمولة، فمغادرة العملية السياسية يمكن ان تكون لها عواقب كارثية . القوى المهددة بالمقاطعة لديها خيارات أخرى، منها البقاء في الميدان والعمل بجدية لتغيير الوضع واصلاح العملية السياسية وتعديل مسارها نحو الاتجاه الصحيح .. تركها يحتمل تعريضها الى المزيد من السوء والخراب.
من الخيارات الأخرى خيار لم تقترب منه هذه القوى، هو خيار الاحتجاجات الشعبية.. المظاهرات والاضرابات والاعتصامات .. الناس تفور أرواحهم غضباً وتضطرم نفوسهم غيظاً بسبب ما انتهت اليه أحوالهم المتردية على نحو متفاقم، لكن لا يوجد من يوجه الناس نحو ممارسة حقهم في النزول الى الشارع للقول بصوت عال: كفى.. في 2011 نزلت آلاف من الناس الى الشارع في مدن عدة، لكن القوى السياسية الرئيسة، بمن فيها المهددة بالمقاطعة الان خذلتهم.. عملياً وقفت هذه القوى الى جانب الحكومة حتى في تلفيقها الاتهامات الجائرة في حق المتظاهرين .. لم نرَ في ساحة التحرير وسواها من الساحات في مدن البلاد ممثلين للتحالف الكردستاني وقوى اتحاد القوى، فضلاً عن قوى التحالف الوطني. كان ذلك موقفاً متخاذلاً استندت إليه حكومة المالكي الثانية في التعامل بقسوة مفرطة مع المتظاهرين في خرق فاضح لمبادئ الدستور وأحكامه. . ذلك الموقف أعطى رسالة بأن القوى السياسية مهتمة بمصالحها وامتيازاتها وحصصها المتوافق عليها، ومنصرفة عن هموم الناس وحقوقهم.
ليس في وسع التحالف الكردستاني واتحاد القوى وسواهما التنصل من مسؤوليتهم عما جرى في البلاد منذ 2003 وما يجري الآن وما سيجري غداً وبعد غد أيضاً… ربما كانت مسؤوليتهم أقل من سواهم، لكنهم مسؤولون في نهاية المطاف، وعليهم تحمّل هذه المسؤولية والعمل لبلوغ المخرج من المأزق الراهن وإيجاد الحل.