عدنان حسين
خمسة أيام فقط بعد انطلاق موجة مظاهرات الجمعة المتواصلة حتى الآن، اختار النائب عن كتلة دولة القانون (حزب الدعوة الاسلامية) علي العلاق أن يهاجمها بتوجيه اتهام باطل الى منظّميها والمنخرطين فيها، هو أن “جهات علمانية” تقف وراء المظاهرات “لإسقاط الإسلاميين وتجربتهم الإصلاحية”!
بعد ثماني جمع، تدفّقت خلالها في مجرى المظاهرات مياه كثيرة، لم يزل بعض الإسلاميين يفكّر على وفق نظرية المؤامرة التي يتبناها النائب العلاق. وعلى أية حال فان السيد العلاق يسجّل لنفسه فضيلة أنه لم يمضِ في أثر زعيم كتلته وحزبه الذي كان قد اتهم متظاهري 2011 بأنهم صنيعة القاعدة والبعثيين، ففرض حال منع التجوال في العاصمة جمعتين متتاليتين، وجعل من بعض عناصر القوات المسلحة جندرمة لقمع المتظاهرين.
المتآمرون عادة يحيكون مؤامراتهم وينفذّون فصولها كلها، أو الأولى منها في الأقل، في الأقبية المعتمة وتحت جنح الظلام ومن وراء الحُجب، أما العلمانيون أو المدنيون الذين يعتقد السيد العلاق انهم يتآمرون، فقد دعوا الى مظاهراتهم علناً على مواقع التواصل الاجتماعي، بأسمائهم الصريحة وبصورهم الملونة، واستصدروا الرخصة الأصولية لها من مصادرها الرسمية، وحدّدوا سلفاً أماكن تنفيذ “مؤامرتهم” في الساحات الرئيسة في المدن. أكثر من هذا أنهم تلقّوا التحايا وعبارات التشجيع والتقدير من الحكومة التي يترأسها من يُعدّ السيد العلاق أحد مستشاريه الموثوقين، ومن مجلس النواب الذي يتمتع السيد العلاق بعضويته المزمنة، ولاحقاً جاءهم دفق من التحايا الكبيرة من المرجعية الدينية في النجف التي يعتمر السيد العلاق عمامتها.
حتى لو أرادوا، فان العلمانيين أو المدنيين ما كانوا في حاجة إلى التآمر لـ “إسقاط الاسلاميين وتجربتهم الإصلاحية وتحميلهم كل الفشل الذي جرى في المراحل السابقة”.. الإسلاميون وفّروا على المتآمرين المُفترضين الجهود والأموال التي تتطلبها المؤامرات… الإسلاميون هم الذين سبقوا غيرهم في التآمر على أنفسهم.. فشلهم الذريع في إدارة الدولة والمجتمع، وانخراطهم على نحو مشين وغير مسبوق في عمليات الفساد الإداري والمالي، وتقديمهم ثلث مساحة البلاد على طبق من ذهب إلى عصابة داعش الإرهابية، كان أكبر وأثمن هدية قدّمها الإسلاميون إلى خصومهم وغرمائم ومنافسيهم.
على مدى عشر سنوات (1968 – 1978) اهتمّ البعثيون ببناء دولة قوية، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير قبل أن ينقلب صدام حسين على حزبه ليسجّل الدولة باسمه ويشعل سلسة حروبه العدوانية الداخلية والخارجية.. نعم سُجّلت حالات قمع وكبت حريات وانتهاك لحقوق الإنسان كثيرة، لكن في المقابل نَدُر تسجيل حالات فساد إداري ومالي وفشل في توفير الخدمات العامة.. أما الاسلاميون فقد بدأوا عهدهم منذ الأيام الأولى بآلاف حالات الفساد الإداري والمالي، ابتداءً بتزوير الشهادات والوثائق لتعيين عناصرهم في إدارات الدولة العليا والدنيا، ومروراً بتزوير الانتخابات، وليس انتهاء بنهب المال العام عبر المشاريع والصفقات الكاذبة مع الشركات الوهمية، فضلاً عن انخراطهم في حرب طائفية أحرقت الأخضر مع اليابس وأزهقت مئات آلاف الأرواح وخلّفت ملايين الأيتام والأرامل والمعوّقين والنازحين، ودمّرت ممتلكات بمليارات الدولارات، ليتربعوا في نهاية المطاف على عرش دولة فاشلة بامتياز.
هل ثمة مؤامرة على الإسلاميين وعموم العراقيين أكبر وأخطر من هذه؟