احتاجت دولتنا إلى أكثر من ثماني سنوات لدراسة وإقرار الحسابات المالية الختامية للعام 2007 ، فمنذ يومين فقط صادق مجلس النواب على تقرير الحسابات الختامية لموازنة 2007 .. والسبب؟.. فتّشوا عن الفساد الإداري والمالي.
المادة (62) من الدستور تُلزم مجلس الوزراء أن يقدّم الحسابات الختامية لكل سنة مالية مع مشروع قانون الموازنة العامة للسنة التالية، بيد أنّ حكومة “دولة القانون” الأولى لم تقدّم في نهاية 2007 أو بداية 2008 الحسابات الختامية لموازنة 2007، بل إنها كرّرت ذلك مع موازنات الأعوام التالية كلّها تقريباً.
لماذا يتعيّن أن نفتّش عن الفساد الإداري والمالي لنُدرك سرّ هذا التأخير المبالغ فيه للغاية؟ الجواب في تقرير اللجنة المالية البرلمانية المقدّم الى مجلس النواب، والذي كشف عن مجهولية مصير عشرات المليارات من الدولارات من فوائض موازنات ذلك العام والأعوام السابقة.
وأشار التقرير إلى العديد من الخروق والمخالفات المالية التي ارتكبتها الوزارات والدوائر الحكومية الأخرى، فضلاً عن صرف سلف نقدية بما يزيد على أربعة مليارات ونصف المليار من الدولارات، بقرارات من مجلس الوزراء من دون وجود تخصيصات لها في الموازنة ولا مبررات لصرفها. وهذه المبالغ لم تُعد إلى الخزينة العامة حتى اليوم، بالرغم من مرور أكثر من ثماني سنوات على صرفها.
وسجّل التقرير وجود فائض في موازنة 2007 بلغ (15.700) ترليون دينار، في حين بلغ الفائض المتراكم للسنوات 2003 – 2007 نحو (52.060) ترليون دينار (أكثر من 43 مليار دولار).
اللجنة المالية دفعت بالمسؤولية عن تقصّي مصير هذه الأموال الطائلة إلى هيئة النزاهة ! وفي علامة على عدم الاكتراث بمصير هذه الأموال، اكتفى رئيس مجلس النواب سليم الجبوري بالقول إن المصادقة على تقرير الحسابات الختامية “ﻻ تعني زوال المخالفات المرتكبة، إنما تمثّل خط شروع في متابعتها”، ودعا اللجان المختصة الى متابعة تلك المخالفات ومحاسبة المقصرين!!
الأحد الماضي كتب الخبير العراقي في شؤون الطاقة والاقتصاد، وليد خدّوري، مقالاً في صحيفة “الحياة” اللندنية تضمّن جردة معلومات مستقاة من تقارير رسمية وإعلامية تفيد بأن خزينة الدولة العراقية تعرّضت لنهب سافر منظّم طيلة السنين الاثنتي عشرة الماضية، وأن قيمة هذا النهب زادت على 500 مليار دولار، أي بمعدل سنوي يزيد على 40 مليار دولار! والمبلغ الكلي يعادل قيمة نصف عائدات النفط العراقي للفترة نفسها!. المعلومات أفادت أيضاً بأن “كمية ضخمة من هذه الأموال جرى تحويلها إلى دول مجاورة، خصوصاً إيران لمساعدتها أثناء الحصار الدولي قبل الاتفاق النووي”!
أياً كان “الملاذ الآمن” الذي انتهت إليه هذه الثروة المهولة التي كانت ستكفي لجعل العراق في مصاف دول الخليج العربي المُترَفة، فإن السرّاق أو الناهبون ليسوا سوى عراقيين (بالجنسية)، والكثير منهم ليسوا سوى مسؤولين كبار في الدولة وسلطاتها العليا الثلاث، كانوا ومازالوا .. أم إنني غلطان؟