عدنان حسين
ليست المرة الأولى ولا العاشرة ولا العشرون التي تقول فيها المرجعية الشيعية العليا كلاماً في الفساد والمُفسدين كالذي قاله ممثلها يوم الجمعة الماضي.. وليست المرة الأولى ولا الثانية ولا العشرون التي لا يُعطى فيها هذا الكلام أذناً صاغية أو حتى ربع صاغية.
كلام المرجعية وممثليها المتكرر في هذا الشأن، كما كلام سواهم من الكتّاب وبعض السياسيين والناس العاديين يذهب دائماً هباءً مثل هواء في شبك لأن أحداً من الموجّه إليهم الكلام لا يريد أن يفعل شيئاً ولا مصلحة له في فعل هذا الشيء.
الشيخ مهدي الكربلائي ألحّ في خطبة الجمعة الأخيرة على ضرورة مكافحة الفساد المالي “الذي استشرى بصورة لم يسبق لها مثيل في أغلب مؤسسات الدولة، خصوصاً المهمة منها”، مشدداً على الفكرة المُعاد قولها بمناسبة ومن دون مناسبة بخصوص دور الفساد المالي والإداري “في ما وصلت إليه الأمور في البلد وان أحد أسباب سقوط عدد من المدن المهمة تحت سطوة عصابات داعش هو الفساد المالي وعدم المهنية الذي عمّ عدداً من المؤسسات الأمنية وغيرها والذي يدفع ثمنه الباهظ في الوقت الحاضر خيرة شباب العراق ورجاله، مع تأخر كبير في مجالات التنمية والخدمات”.
المخرج من هذا، كما أعلن ممثل المرجعية في كلام مكرر هو الآخر، يتمثل في “وقفة شجاعة وجريئة ووطنية تعبّر عن شعور المسؤولين بالخطر العظيم والمستقبل المجهول للبلد إن لم يُعالج هذا الملف”… لكن من في وسعه الإقدام على وقفة كهذه؟.. إنهم كما جاء في الخطبة “قادة الكتل وكبار المسؤولين في القوة القضائية والتشريعية والتنفيذية”.. لكن هؤلاء جميعاً لا أمل يرتجى منهم لأنهم هم الضالعون والمتورطون مباشرة أو مداورة في قضايا الفساد الإداري والمالي.. مكاتبهم الحكومية والبرلمانية والقضائية والحزبية هي البؤر الرئيسة للفساد، والأمل في صحوة ضمير ووقفة شجاعة وجريئة منهم يشبه أمل إبليس بالجنة.
الطبقة السياسية المتنفذة غارقة بكامل هاماتها في وحل الفساد، والمخرج الصحيح والسليم هو في إزاحة هذه الطبقة، وهذا لن يتأتى لا الآن ولا بعد قرن من الزمن من دون تعديلات وتغييرات وإصلاحات بنيوية عميقة في العملية السياسية والنظام السياسي القائمين على المحاصصة.
ما يتعيّن على المرجعية الدينية وسواها العمل عليه لإنقاذ البلاد من الفساد الإداري والمالي وسواه من المحن التي نكابدها، هو الضغط لإعادة كتابة الدستور في الحال، وهذا استحقاق قائم منذ نحو عشر سنين، والذين وجّه الشيخ الكربلائي كلامه إليهم في خطبة الجمعة هم الذين حالوا دون تعديل الدستور مفضّلين العمل بدستورهم الخاص، نظام المحاصصة، الذي يضمن لهم البقاء في السلطة والتمتع بما ينجم عنها من سطوة ونفوذ وثروات منهوبة.
ومع تعديل الدستور يتوجب تعديل قانون الانتخابات وتشريع قوانين بناء الدولة، وبخاصة قوانين الأحزاب والنفط والغاز وحرية التعبير وحق الوصول الى المعلومات وسواها، وإنشاء المؤسسات اللازمة لبناء الدولة كالمحكمة الدستورية ومجلس الخدمة العامة ومجلس الاتحاد وغيرها، ويتحتم أيضاً إعادة تشكيل الهيئات المستقلة على النحو الذي يضمن ويرسّخ استقلالها ولا يجعل منها واجهات للأحزاب والكتل محتكرة السلطة والمتنفذة فيها.
هذا هو الكلام المفيد.. أما غيره فهواء في شبك.