عمل جيّد حقّق النتيجة المُرضية المُرتجاة، هو الذي قامت به الجهات العليا المختصة في الدولة، من رئاسة الوزراء إلى وزارة الداخلية وعمليات بغداد وربما جهازا الأمن الوطني والمخابرات وسواهما أيضاً، لتأمين إطلاق المخطوفين السبعة من شباب الحراك الشعبي بسلام.
لكنّ هذا، على أهميته، غير كاف في حدّ ذاته.
كل الذين عملوا لتحقيق هذه النتيجة إنّما أدّوا واجباً منوطاً بهم وأنجزوا مهمة مكلّفين بها.. أمن المواطنين واجب رئيس للدولة والقائمين عليها، وبالذات الأجهزة الأمنية ومسؤوليها. هذا الأمن لا يتحقق بمجرد إطلاق سراح معتقل ظلماً أو مُختطف خارج القانون، ولا بمجرد ردّ حقّ مُغتصب أو مُتجاوز عليه إلى صاحبه. واجب الدولة ومسؤوليها يمتدّ إلى الكشف عن الجناة وتقديمهم إلى العدالة وتنفيذ حكم القضاء.
هذا أمر متوجّب ،لأن المواطن المخطوف أو المتجاوز على حقوقه وحرياته له حقّ في معاقبة مَن اختطفه وتجاوز على حريته وحقوقه، بل المجتمع كلّه له حقّ في أن يواجه الجاني العقاب المُستحق.
الشبّان السبعة أُطلِقوا بعدما استقبلهم وزير الداخلية وطيّب خواطرهم ومنح كلاًّ منه مبلغاً من المال (لم أفهم معنى هذا ومغزاه، وأظنّ أنّ الشباب كان عليهم الاعتذار عن عدم تسلّم المبلغ)، لكنّ الذين تجاوزوا على حريّة هؤلاء الشباب وعلى أمنهم وكرامتهم ظلّوا طلقاء في ما يبدو، فلا وزارة الداخلية ولا قيادة عمليات بغداد قد أعلنت عن القبض على الخاطفين تمهيداً لتقديمهم إلى القضاء.. بل لم يُدلِ أيٌ منهما بأية معلومات عن أصل الخاطفين وفصلهم أو العصابة التي يعملون لها أو التتظيم السرّي المُجنّدين في صفوفه.
حادث اختطاف الشباب السبعة لم يكن الأول من نوعه. ربما هو الرقم ألف أو أكثر في عهدنا هذا .. حتى الآن ثمة الكثير من المخطوفين مفقودو الآثار ومجهولو المصير منذ سنوات.
امتناع وزارة الداخلية وسائر الأجهزة الأمنية عن الكشف عن هوية الخاطفين ينطوي على تقصير كبير حيال الدولة والمجتمع وليس فقط حيال الشباب المخطوفين الذي تعرّضوا على أيدي خاطفيهم الى صنوف من الإهانة والعسف.المشكلة الكبيرة أن هذا الأمر متكرر، ففي مرات كثيرة سابقة امتنعت الاجهزة المختصة عن الكشف عن هويات مرتكبي جرائم من هذا النوع وهويات العصابات أو التنظيمات التي تقف وراءهم.
هذه “السياسة” لن تثمر إلا نتيجة واحدة بشقّين، هي عدم ثقة المجتمع بدولته من جهة، ومن جهة أخرى تشجيع الجهات الخاطفة على مواصلة تجاوزها على الدولة ومؤسساتها والقانون والحقوق والحريات العامة والخاصة … فمَنْ أمِنَ العقاب أساءَ الأدب.
لستُ أدري ما إذا كان رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الداخلية وسائر مسؤولي أجهزة الأمن يدركون أو لا يدركون أنّما من أهداف عمليات الاختطاف المتكررة تقويض عمل هذه الحكومة وإشاعة الفوضى … لغرض في نفس يعقوب المترقّب والمتربّص منذ حين..!
الكشف عن الخاطفين حقّ لنا، دولة ومجتمعاً، لا ظروف مخفّفة له .. ولا يسقط بالتقادم.