عدنان حسين
في النظام البرلماني السلطة كلها للبرلمان، فيما السلطة التنفيذية تقتصر مهماتها على تنفيذ القوانين التي يشرّعها البرلمان ويراقب الأداء الحكومي، فإن اخفقت السلطة التنفيذية عمد الى محاسبتها وحتى معاقبتها بسحب الثقة منها، كلاً أو جزءاً.
نظامنا برلماني بحسب الدستور، وبالتالي فان مجلس النواب هو السلطة المسؤولة أمام الشعب في ما خصّ إدارة الدولة والمجتمع. مجلس النواب لدينا لم يتصرف يوماً، منذ انتخاب دورته الأولى قبل نحو عشر سنين، بوصفه ممثلاً للشعب.. أعضاء المجلس كانوا في الغالب ممثلين لأحزابهم ورؤسائها، يتصرّفون على وفق مصالح هؤلاء الرؤساء ومصالحهم الشخصية، ولا دليل على هذا أقوى مما انتهينا إليه من دمار لا يُقارن حتى بدمار حروب صدام. ولا دليل أقوى أيضاً من أن معظم أعضاء مجالس النواب كانوا إلى جانب وزراء ومسؤولين كبار في الدولة شركاء في الفساد الإداري والمالي الذي فتّت كيان الدولة من الداخل، ولا دليل أقوى كذلك من أن مجلس النواب السابق خضع لإرادة الحكومة، وبالذات رئيسها، فلم يمارس دوره في تشريع القوانين التي مسّت حاجة الشعب والدولة إليها طيلة السنين السابقة، فضلاً عن أنه لم يمارس دوره الرقابي. وكانت نتيجة هذا كله هذا الخراب الشامل، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، الذي زعزع أركان الدولة والمجتمع على نحو جعل من أية عملية إصلاح صعبة للغاية، فلا أحد يعرف من أين وكيف تبدأ عملية الاصلاح.
ولم يزل برلماننا قاصراً عن تمثيل الشعب تمثيلاً حقيقياً.. إنه يوجد على مسافة من نبض الشعب وحاجاته الملحّة، فمثلاً منذ شهر استجابت الحكومة للحركة الاحتجاجية بتقديم خطة إصلاحية إلى مجلس النواب الذي أردفها بخطة موازية منه، لكن بعد مرور كل هذا الوقت لم يكلّف المجلس نفسه عقد جلسات استثنائية للبحث في ما يتعيّن فعله، وخصوصاً على صعيد التشريع، لتحقيق الخطتين الإصلاحيتين للحكومة والبرلمان. الإصلاح لا يتحقق على الورق ولا بالكلام المرسل في الهواء.. انه يتطلب قوانين فورية التنفيذ يتولّى البرلمان نفسه فرض رقابة صارمة لضمان الإسراع بتنفيذها.
معظم بنود الخطة الاصلاحية التي قدمتها رئاسة مجلس النواب تتطلب تشريع قوانين واتخاذ إجراءات من المجلس نفسه لتنفيذها، ومنها “إنهاء ملف التعيينات بالوكالة في المناصب العسكرية والأمنية”، و”إقالة أعضاء مجلس النواب ممن تجاوزت غياباتهم بدون عذر مشروع أكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع الفصل التشريعي الواحد والنظر في أداء رؤساء اللجان النيابية واستبدال من لم تثبت كفاءته في إدارة اللجنة”، و”تخيير أصحاب المناصب من ذوي الجنسية المزدوجة بين إسقاط الجنسية المكتسبة والإعفاء من المنصب”، و”تشريع القوانين التي نصّ الدستور على وجوب تشريعها”، و”المباشرة بعملية الاستجواب للوزراء ورؤساء الهيئات المستقلة ممن استكملت الإجراءات القانونية لعملية استجوابهم”، و”إحالة ملفات الفساد وخصوصاً عقود التسليح وبيع وإيجار أموال الدولة إلى القضاء فوراً”، و”محاسبة وملاحقة الفاسدين وسرّاق المال العام ممن أثروا على حساب الشعب العراقي واسترداد ما بذمتهم من أموال”، و “محاسبة المقصرين في الدفاع عن العراقيين ممن تسببوا في تسليم الأرض والسلاح إلى الجماعات الإرهابية”.
هذا كله وغيره ليس مهمة الحكومة وحدها.. إنه في المقام الأول مهمة مجلس النواب الذي يستشيط الكثير من أعضائه غضباً إذ يرفع بعض المتظاهرين شعارات تطالب بحلّ المجلس، غير مدركين أنهم إنما انتخبوا لتشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة في تنفيذ هذه القوانين، وليس للثرثرة في مقهى أو مضيف.