تلقفت الأوساط السياسية التركية بإهتمام بالغ، وبنوع من الحذر قرار الزعيم الكوردي عبدالله أوجلان بوقف إطلاق النار بمناسبة أعياد النيروز التي تتواصل في العديد من بلدان الإقليم بما فيها تركيا وإيران وسوريا والعراق على أمل أن يكون ذلك مدعاة لبداية جديدة في العلاقة بين القوميتين التركية والكوردية المتنازعتين عبر تاريخ طويل من الألم والدماء ،عدا عن صراع الأمة الكوردية الممض مع العرب والفرس دون أن يصلوا الى نتيجة حقيقية تعيد لهم حقوقهم في قيام دولة لهم أسوة بالأمم الأخرى ،خاصة وإن فئات إجتماعية ودينية كاليهود حظيت بفرصة إنشاء دولة قومية في فلسطين ثم نالت مباركة أممية في عصبة الأمم سنة 1948 ولم ينفع تحشيد العرب وأسلحتهم الفاسدة في رد العصابات الصهيونية عن مذابحها بحق الفلسطينيين الذين هجروا وقتلوا وهدمت منازلهم وصودرت مزارعهم وبساتينهم وحقول الزيتون التي يحبون ويعيشون في ظل أشجارها ،وحرموا من الصلاة في المسجد الأقصى.
شكك القوميون ، ومحللون سياسيون ومراقبون بصمود الهدنة التي تشكل علامة فارقة في تاريخ الصراع الكوردي مع الأمم الأخرى التي إضطهدتهم ،وإستندوا الى جملة معطيات واقعية تفرض حضورها في دائرة الصراع الطويل ومنها أن الكورد يعلمون جيدا مايريدون وإن الترك يعلمون بنوايا خصومهم ،وثوار الجبال المتمرسين في المواجهة .فالدولة الكوردية حلم بدأ يقترب من التحقق لأسباب منها، تفكك العراق، وقرب تفكك سوريا البلدين العربيين اللتين يوجد فيهما عدد كبير من الأكراد ،عدا عن المصاعب التي تواجه إيران، والضغط الهائل الذي يواجه الأتراك نتيجة للحرب الطويلة والتضحيات الجسيمة التي بذلت من البلدين في الأرواح والبنيان والمنشآت إضافة عن الخسائر الإقتصادية الكبيرة التي دفعتها الدولة التركية التي تعاني من مصاعب حقيقية في هذا الشأن .
فالأكراد لن يتراجعوا على الإطلاق وهم لن يفوتوا الفرصة التاريخية التي تتيحها الظروف الموضوعية التي تتوالى حسناتها عليهم بسقوط نظام صدام حسين وإنهيار الدولة السورية والحصار المفروض على إيران وتوفر نوع من المزاج الدولي الراغب بتفهم تلك المطالبات التي تتصاعد بشكل لايسمح بتجاهلها من قبل دول الإقليم أو المنظومة الدولية التي تتسيدها قوة إعلامية تكشف كل شئ، ولاتسمح بتجاهل شئ ،عدا عن توفر مقومات قوة وإدراك وفهم سياسي وتقني للأكراد ساعدت في بناء نماذج واعدة كتلك التي تهيأت لهم في شمال العراق ،أو مايسمى إقليم كوردستان ،ولم يعد ممكنا صمود الدول أمام طموحات الأقليات الدينية والقومية .فصعود الشيعة في المشرق العربي يمثل تحولا كبيرا سيكون له أعمق الأثر في رسم خارطة سياسية جديدة لهذا الشرق الجامح ،يقابله صعود للقومية الكوردية التي أسست لحضور في شمال العراق وفي سوريا ،وتستعد لقطف الثمار في ربيع تركي قادم ،ولن تسكت حتى يتم إعلان دولة كوردية كما هو حال القوميات الأخرى ..